كانت لي رؤية خاصة في مهرجانات الشعر النبطي التي تشتعل في الخليج، وما تحييه من نعرات واستنزاف للطاقات، بعيدة عن تكريس قيم الوعي الجمعي للمجتمع العربي في الخليج وانتمائه الإسلامي الأصيل، وما يعنيه لنا مشروع صناعة الثقافة الإعلامية البانية لإطار التقدم والعطاء ضمن الهوية والثوابت. ولم يكن ذلك جحوداً للشعر النبطي وعمقه في ضميرنا الاجتماعي وعراقته لأساسنا العريق في البادية العربية، بل وقل في التاريخ العربي وميادين الأدب والشعر التي تصقل المروءة والأخلاق، وتعزز القيم، وإن كان الجميع يرى أن الفصحى أولاً, فقد كان سيدي الوالد -رحمه الله- يقرض الشعر النبطي ويرويه، ويراه ضرورياً للذاكرة التراثية للشباب، ولذا فقد حفظت منه في الصغر بعض القصائد لمن اعتبرهم باختياره دولة النبط في تاريخ الجزيرة الشعري، بدءاً بحكيم الشعر النبطي بركات الشريف، ثم محمد العبد الله العوني، ومحمد العبد الله القاضي، وابن سبيل، وأبقى الخامس للأحسائي شاعر الرومانسية الرقيقة حمد المغلوث، مع أنداد لهم تزدحم بهم ساحة الشعر في العهد الأول. المهم أن لا يكون محرضاً على فتنة أو عنصرية أو انحراف، مع تعاطيهم العفيف لغزليات تكرم ذوق الشاب وعاطفته وليست تهديه للردى. ولكنني وقد قررت أن أخرق ما التزمت به من الامتناع عن الحديث عن شاعر المليون بعد مقالي في نسخته الأولى، فإنما ذلك خرق محدود استفزني فيه مشاركة الشاعرتين السعوديتين عيدة الجهني ومستورة الأحمدي الحربي، وبالذات بعد أن سمعت مقابلة الأخت مستورة في الإذاعة السعودية وقصيدتها الرائعة في سيدي القائد المصطفى، وطيبة الطيبة، وقولها في عجز أحد الأبيات: عسى يقال والنعم بالأحمدية وأشهد لها ولأختها بالنعم، فقد جملوا وأكرموا مقام المرأة العربية الحجازية وموطنها السعودي في أخلاقها وانتمائها وثقافتها الحيّة، وتجمّلت أحياء حرب وجهينة الكريمتان بهما, لكن هناك قصة أخرى. بين مفترقين إن تلك الروح والوعي الذي يُجسد معنى الفخر والانتماء بالذات الشرقية العربية، ومعنى أصالة البادية كانت مجللة بمعنى أصيل طافت به الشاعرتان في تلميح قوي وتصريح فكري عن معنى حرية المرأة، وشراكتها بقيم التقدم الإسلامي ورسالته، تلك القيم التي هتفت بجلجلة ممطرة من حجابهما الضافي والتزامهما السلوك الإسلامي, إن طريق الوعي وصناعة الثقافة وشراكة البناء الإنساني ليست مربوطة بالابتذال، وإن قيمنا في المشرق العربي المعبئة قيماً بباديتها وحاضرتها في جزيرة رسول الله إنما تنطلق من هذه الحقيقة, ولا أدري وأنا أتابع ما وردني من تسجيل (اليوتيوب) لمشاركة الأختين الكريمتين، وتمسكهما بالبادية الحرة الكريمة تذكرت خطاب ربعي بن عامر رضي الله عنه- وهو البدوي الحجازي- لعظيم فارس رستم حين سأله ماذا جاء بكم، فرد قائلاً: جئنا لنخرجكم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة, وانظر قوله -رضي الله عنه- سعة الدنيا؛ فهذا الإسلام بناء حضارة وتقدم مع شروط النهضة التي تحفظ الأسرة وتبني الإنجاز, وهنا تبين لي معنى تجسد هذه الثقافة لدى الأختين الكريمتين. وقد تضمنت القصائد ألماً دفيناً من جهل البعض وعدم تقديره للمشاركة والعطاء الإيجابي للمبدعات، قرأته في شعر مستورة وعيدة معاً, ولذا فهي أيضاً رسالة إلى المجتمع أن المشاركة النسائية -بغض النظر عن أجواء شاعر المليون- بشكل عام هي إيجابية في العديد من الفعاليات وتعزيز هذه القيم الرائعة والإشراقات الفكرية والأدبية للحركة النسائية السعودية. هم يريدون أن يحصرونا في برنامج ليبرالية واشنطن ونسونتها، ونحن نُصرُّ أن لنا طريقاً آخر للمرأة متقدمة العفاف والعطاء، إسلامية الفكرة والإنجاز الحضاري، تحت راية القائد المنقذ والصانع الأكبر للحضارة سيدنا ومولانا رسول الله... صلى عليك إله العرش وسلم.