في جدة ينطلق اليوم معرض الكتاب الدولي.. حتماً ليس جديدًا عليها بعد أن مرّ بدوراتٍ ودورات في أواخر القرن الماضي ومع بدايات الألفية الجديدة، ليعود مجدّدًا بثوبٍ دولي وحضور كثيف لعدد من دور النشر العربية.. حيث من المقرر أن يكون هناك أكثر من 440 دار نشر ومن خمس وعشرين دولة خليجية وعربية تجتمع تحت سقف جدة الذي ارتدى الشمس دائماً، وكان بوّابةً المعرفة والثقافة.. ملايين الزوّار سيتوافدون إليه منذ هذا المساء ليعمّقوا علاقة إنسان هذه الأرض بالكتاب، فالمعرض الذي ينطلق اليوم في دورة أولى جديدة أو تتجدّد، مهموم بأهداف سيركز عليها في مقدمتها نشر الوعي والمعرفة وتثقيف المجتمع بما ينمي معارفهم ويشجعهم على مزيد من القراءة والاحتفاء بالكتاب والمهتمين به لإثراء الحركة الفكرية والمعرفية والاهتمام بالأدب والمثقفين وكل شرائح المجتمع وربطهم بثقافة الكتاب. وهو هدف عام تجتمع عليه كل معارض الكتب وفي كل البلدان، إلا أنه في جدة يجيء بعد صبرٍ طويلٍ وحلم لم ييأس يومًا من العوائق والمصاعب التي ظلّت تؤخّر انطلاقه في كل عام، لعلّ أهمها خصوصية المكان على اعتبار أن جدّة بوّابة الحرمين الشريفين، وتكاد تكون من أكثر مدن العالم استقبالا للزوّار بسبب تشكيلها الجغرافي المجاور لمكة والمدينة، وثانيهما حالة الشك في إقبالنا القرائي ومدى استيعاب مجتمعنا لمعرضين دوليين في العام الواحد. لكن نجاحات معرض الرياض الدولي للكتاب وتحقيق مجتمعنا السعودي لسمعة تسويقية وقرائية كبيرة في أوساط النشر العربية، زاد دائماً من مطالبات المثقفين وثقتهم المطلقة بنجاح أكثر من معرضٍ في المملكة، ولعلّ معرض جدة هذا دافع لإقامة معارض أخرى في المنطقة الشرقية مثلاً. فبلادنا واسعة وشبابنا يتوجه بشكل كبير وواضح نحو الانفتاح على الكتاب وتعميق حضوره فيه. معرض جدة الدولي للكتاب.. شعارٌ انتظرناه كثيراً.. الليلة موعودة به هذه المدينة الضوئية بكل ما تكتنزه من صخبٍ وحياة وتنوير، ومجتمع عانق الآخر دائماً من وراء كتاب، وهو كما يبدو لأول وهلة يجيء على غرار معرض الرياض الدولي للكتاب حيث ينطلق منذ هذا المساء لنتواعد معه بعدها على مدى خمس سنوات مقبلة، في ذات الموعد ننتظره كل عام، نراجع حضوره فينا، ونرتّب فيه ثقافتنا ونتعاطى معه الإبداع والأصدقاء، المعرض تتولى وزارة الثقافة والإعلام الإشراف العام عليه، حيث تضع الإجراءات التنظيمية الفنية والبرامج الثقافية المصاحبة، مستفيدة كثيرا من تجربة معرض الكتاب في الرياض. ليس لنا الليلة ونحن نراقب بهجة الكتاب بنا أو بهجتنا به إلا أن نتفاءل بأيام مكتضّة بالضوء، مؤكّدة على أن كل بلادنا قراءة.. وكل مجتمعنا صديق للكتاب، وكل معارضنا ناجحة بنا حين نكون نحن النجاح فيها. ولاشك أن هذه الحقيقة واضحة وجلية عند المثقفين الذين يحرصون دائماً على إشاعة الثقافة والتنوير وبالتالي أجزم أنهم سيسعون دائما من خلال تفاعلهم مع أيام المعرض على نجاحه حضوراً وتنظيماً، منوّهاً بالوقت ذاته بالفكر التنويري دائماً لقيادتنا وحرصها المستمر على نشر الثقافة والمعرفة وتوسيع دائرة حضور الكتاب لدى أكبر شريحة ممكنة من مجتمعنا.. جدة كمدينة.. شغوفة بالقراءة دائما تسافر إليها الكتب على مدار العام، مزدحمة عبر تاريخها الطويل بأولي العلم والثقافة، لكنها كذلك محاطة بعدد هائل من المحافظات والقرى والهجر التي ستجد في أيام المعرض فرصة ثمينة للحصول على أكبر قدر ممكن من الكتب القادرة والنادرة معاً عبر عشرة أيام، لاحضور فيها إلا للكتاب، ولا حديث فيها إلا عن خارطة المعرض وتفاصيل أحداثة، واكتناز رفوفه بكتبه.