شعرت باستفزاز - غير مقصود - حينما كان احد الزملاء يروي لي قصة مع (الميكانيكي الآسيوي) عندما ذهب بسيارته لاصلاح العطل الذي أصابها فطلب منه «70» ريالاً فعاتبه قائلاً: «تحسبني سعودي» فرد عليه على الفور بأنه اصلح نفس العطل لسيارة سعودي بمبلغ «150» ريالاً، وبعد ان انتهى من اصلاح سيارة الزميل دفع الأجرة من سبعين ريالاً الى ثمانين ريالاً (ربما عقاباً له على ظنه السيء بالميكانيكي بأن يعامل المقيمين كما يعامل السعوديين وربما لتأكيد الفارق بين ما يدفعه المقيم، ويدفعه المواطن في مضاعفة الأجرة على الثاني مقارنة بالأول)...؟! أيها الضيوف.. راجعوا أنفسكم مؤلم ان يتحول هؤلاء الضيوف الأعزاء في بلدك الى ضيوف مزعجين يسعون بكل الوسائل، والطرق، والاساليب، والحيل الى استغلالك، وخداعك، وغشك، والكذب عليك لمجرد انك سعودي، ولا يفعلون ذلك - او كل ذلك - مع غيرك من الجنسيات الاخرى.. انت لن تصدق انهم يستغلونك بهذا الشكل الجشع لمجرد انك (سعودي) حتى ولو سمعت ذلك عشرات المرات من أفواه الآخرين الى ان تخوض (التجربة) بنفسك، وقد (خضتها) بنفسي عشرات المرات، وفي كل مرة أحاول ان أبحث عن اشخاص غير من عرفتهم (يكونون أقل جشعاً، وطمعاً، واستغلالاً لأكتشف انني وقعت في اشخاص اكثر جشعاً، وطمعاً، واستغلالاً)... وكل صباح، وكل مساء تقع عشرات من هذه القصص: قصص الجشع، والنصب، والاستغلال، والغش وتنتهي بالصراخ، والعراك، او بالصلح لتتكرر في اليوم التالي، وهكذا... في هذا الاطار روى احد الزملاء حكايته مع ورشة (سمكرة، وبويه) فقال انه عرض سيارته المصدومة، صدمة خفيفة على إحدى الورش فطالبوه بمبلغ يزيد على الألف ريال، وكان له «معرفة نافذة» ساعده على تخفيض المبلغ الى الربع وهو ما يعني الاستغلال بعينه، وسنه، ولحمه، وشحمه. ويعني كذلك ان قرار الاستغلال، وعدمه في يد (الاسطى) في هذه الورشة، او تلك..! تحديد الاجور خطوة أولى لماذا لا تقوم «لجنة مختصة» بوضع قائمة بأجور «العمالة الفنية» يلتزم بها من يعمل في مجال الخدمات الفنية، والمهنية لهذه العمالة التي تغطي مدننا، وقرانا، وتحدد هي «أجورها» بالطريقة التي تريدها «رغم ان معظمها لا تجيد الاعمال التي تقوم بها» وإنما تجتهد، وتجرب، ولا أحد يحاسبها على هذا الاجتهاد الخاطئ، والتجارب الفاشلة، والتي يدفع ثمنها صاحب السيارة، او الثلاجة، او جهاز التكييف نتيجة لهذا الاجتهاد الذي في غير محله، ونتيجة التجارب الفاشلة، ونتيجة ان هذا الفني، او العامل جاء بتأشيرة «قهوجي فصار خبير تبريد» او جاء بتأشيرة «نجار فصار علماً من أعلام الميكانيكا» او جاء بتأشيرة «مساعد سباك فصار كهربائياً لا يشق له غبار» او جاء بتأشيرة ممرض فصار طبيب يشار اليه بالبنان....! الجانب الآخر هو الرقابة، حيث تفتقد مئات الورش والدكاكين الى جهة يشكون اليها، او يراجعونها عند أي مخالفة، ويبقى الأمر معتمداً على «القوة العضلية» او «القوة الكلامية» او «قوة التسامح»..! في مجال القوة العضلية يخشى عامل الورشة، وفي مجال القوة الكلامية يخشى العامل من لفت الانظار اليه، وفي مجال قوة التسامح يتمنى الجميع ان تتسيد هذه الاماكن، والمواقع -كل يوم - تفادياً للمشاكل، وتجنباً للصراخ الذي لا تحمد عقباه...! الجانب الثالث - الأهم - المعروف، والمكشوف (المأسوف عليه) هو غياب (السيد الكفيل) عن موقع العمل..! «الاستراتيجية الجهنمية» تراجعت ذهب بسيارته للميكانيكي لفحص أجزاء من مقدمتها اصابها العطب.. بعد ساعة عاد فنصحه الميكانيكي بنقلها لكهربائي السيارات المجاور له... بعد نصف ساعة أبلغه الكهربائي بضرورة نقلها لدكان «الترصيص، والأذرعة» للتأكد من سلامة نصفها السفلي... ثم عاد للميكانيكي الذي أبلغه - هذه المرة - ان سيارته على (وشك التقاعد) وان عليه تصريفها، والزبون حاضر... فوجئ صاحب السيارة لكنه تماسك، وطلب احضار الزبون فقال له الميكانيكي ان الزبون أمامك.... بعد ذلك عرف ان هذه استراتيجية يتبعها بعض ضعاف النفوس من اخواننا الفنيين في هذه الورش، والدكاكين فيضاعفون من مكاسبهم مرتين: مرة بشراء سيارة أوهموا مالكها انها لا تنفع بشيء فباعها لهم بثمن بخس، ومرة عندما يعيدونها للحياة، ويبيعونها بثمن محترم قياساً بما دفعوه فيها بعد إجراء الصيانة، والاصلاحات.. وهذه «الاستراتيجية الجهنمية» التي اعتمدها الثلاثي (الميكانيكي، والكهربائي، والبنشرجي) لم تعمر طويلاً لأن من يتعاملون مع هذه الفئة هم من ذوي الدخل المحدود جداً فإذا انطلقت عليهم مرة فهي «لا تنطلي» عليهم بعد ذلك مرات، وهم - نتيجة عدم قدرتهم على شراء الجديد - يظلون يبحثون عن ميكانيكيين آخرين لديهم خوف من ضميرهم، وحتماً يوجدون وإن كانوا في السوق محدودين، ومعدودين، وكما يقال اقلية... اننا لا يمكن ان (نعمم) على جميع العمالة الفنية، والمهنية هذا «السلوك المشين» لكننا لا يمكن ان (نقلل) منه، ومن اضراره ومن اخطاره ومن مساوئه فقد روى لي أحدهم انه كان يشتري سيارة (مهربرة) ويدخلها ورشة (صيانة، وسمكرة، وبويه) ويتم وضع قطع غيار تجارية بها من النوع الرخيص ثم يبيعها ومن يشتريها قد يدفع حياته بسببها... هل الجشع يبدأ من الكفيل؟ أكثر من مرة - سمعت بأذني - عن وافدين يمنحون كفلاءهم (مبلغاً معلوماً) مقابل الاسم، وما يتبعه من خدمات اخرى، وفهمت ان هؤلاء (السادة الوافدين) يخصمون هذا المبلغ، وزيادة عليه من الأجور التي يحصلون عليها من السعوديين بالذات، وهم لا يشعرون بأنهم ارتكبوا (خطيئة) في حق السعوديين حينما يضاعفون عليهم هذه الاجور، وحينما يعمدون الى غشهم، وحينما يتفننون في خداعهم، والكذب عليهم (وكل ذلك صار معروفاً لدى السعوديين، او لدى كثير منهم)، ولكنهم للأسف لا يجدون من يسمع صوتهم، او يستقبل شكواهم (بما في ذلك الكفيل الذي يعلو اسمه، وسجله التجاري لوحة المحل، والدكان، والورشة بينما هو خارج المكان، ولا يشغله، ولا يشغل باله، وفكره سوى المبلغ المعلوم الذي لو تأخر، او انقطع فإنه يقيم الدنيا، ولا يقعدها الى ان يستلم كاملاً، وغير منقوص)...! ونعود للعنوان: هل الجشع يبدأ من الكفيل فنقول بكل ثقة نعم في معظم الحالات لاعتقاد (المكفول) ان (الكفيل) يحصل على مال ليس له فيه أي جهد، ويعتبر ذلك - غير مشروع - فتتولد في نفسه الرغبة لاستغلال (اخوان الكفيل) فيكون بذلك قد استعاد الجشع الذي لحقه من الكفيل في جشع طبقه، او طبق اسوأ منه في بقية السعوديين الذين يوقعهم - سوء حظهم - في قبضته، او تحت خبرته، ورحمته فيفعل ما يمليه عليه سلوكه السيء، وابسط انواع هذا السلوك هو الاستغلال والجشع والابتزاز وصور ذلك لمن يعرف، ولمن لا يعرف منتشرة على امتداد المدينة، ولا تحتاج لعناء للتعرف عليها... كارثة اجتماع «الصفات كلها» واذا اجتمعت صفات الجشع، والطمع، والاستغلال في هذه «العمالة الفنية» الى جوار ممارساتها الخاطئة، والجاهلة فإن الكارثة اكبر، والمسؤولية اعظم.. الكارثة اكبر عندما نستعين بعمالة فنية تتفانى، وتتبارى في استغلالنا وتكون - في نفس الوقت - غير مؤهلة، وغير مدربة فتزيد من (خسائرنا المادية، والاقتصادية).... والمسؤولية أعظم لأننا نتناول ذلك على صفحات الصحف دون فائدة تذكر، ودون أي أمل، في علاج هذه الظاهرة السيئة... لقد سألنا عن آلاف الخريجين من معاهد ومراكز التدريب المهنية، والفنية طوال ما يقرب من اربعين عاماً: اين ذهبوا اذا كنا لا نشاهد مجموعات منهم في ورش الصيانة، وورش الميكانيكا، وورش النجارة، والكهرباء، والسباكة فهل انشقت الارض وابتلعتهم لا سمح الله، ام ان هذه المهن شاقة عليهم ففضلوا مهناً او أعمالاً تجارية اكثر راحة وتركوا الميدان بكامله للوافدين.... لماذا لا نشاهد في ورشة الميكانيكا، او ورشة الصيانة، او دكان الكهرباء، أو ورشة النجارة شاباً، أو رجلاً، او شيخاً من أبناء الوطن، ونشاهد لوحة، وسجلاً تجارياً، وأوراقاً، رسمية باسم هذا المواطن المفروض ان يكون غيوراً - على الاقل - على لوحته، وسجله التجاري، وأوراقه الرسمية حتى لا يقع في (المحظور) في يوم من الأيام.. ولسنا في حاجة إلى ان نؤكد ان وجود - إبن الوطن - على رأس أي عمالة وافدة مهم للغاية لنشر الطمأنينة في نفوسنا، وبأن هذا المواطن سيراجع نفسه - ألف مرة - لو أوحت له العمالة باستغلالنا، وخداعنا، ثم قبل ذلك، وبعده من حقنا ان نسأل اصحاب اللوحات، والسجلات، والتوقيعات، والكفالات متى يعودون إلى رشدهم، ويكونون على رأس لوحاتهم، وسجلاتهم، ومكفوليهم، أي متى يكونون على رأس العمل في ورشة الميكانيكا، وورشة الكهرباء، وورشة الصيانة، وورشة السمكرة، وورشة النجارة، وغيرها، وغيرها مع استعانتهم بهذه العمالة الفنية، والمهنية - الجيدة - وليست الرديئة...!