هنا... وهنا فقط... اختلط دمعي بحبري... إلى أخي الغالي... المهندس علي بن محمد النملة... أخي العزيز... جمعني وإياك مكان واحد لا يمكن لقلبينا أن يخطئانه... هنا حيث يرقد جسد أحببناه بعمق روى عطش أرواحنا سنيناً طويلة وسد رمق جوعنا العاطفي... رقد ذاك الجسد تحت التراب ولا نملك له الآن سوى جمع الأكف ورفعها إلى المولى سبحانه لتصله دعواتنا وترسم على قبره شيئاً من احتياجنا إليه... هنا كان يرقد جسد أمي الطاهر وهنا أيضاً كنت أنا وإياك ودعوات صادقة غسلتها دموعنا...» «الدموع أنواع... دموع كاذبة باردة... ودموع صادقة.. حارة.. تدرها أثداء العين في لحظات الألم السخيّة... وربما دمعة يتيمة تحكي أسطورة وجع... هكذا كانت دمعتك يا أخي..» طهور وجعك إن شاء الله يا أخي... لم أنتبه لتدحرج دمعتك على خدك إلا حين قطعت نصف الطريق... في المنتصف دائماً ألاحظ الأشياء... ليس مهماً بالنسبة لي أن ألحظها من البداية المهم أنها لم تفتني... في تلك اللحظة.. كنت أود أن أحتضنك وأبكي على صدرك... فوجع الفقد يا أخي أكبر من احتمالنا... هل كانت دمعتك تبحث عن اليد الحانية التي كان تكفكفك بدفء؟ هل تتوسل خروجها من القبر لتشعر بالوجع الذي يعتصر أضلع روح خرجت دمعتك منها؟!! لا شيء يا أخي دافئ كحضن أمي... أخي لن تجف دموعنا وبداخل كل منا عالم من البكاء والحزن... ولن ننام مرتاحين ورحيل أمي يوقظ أعصابنا كل لحظة... سنغرق حزناً وستصرخ أرواحنا بصمت... لقد اشتقنا إليك يا أماه أخي... لم تكن دموعنا وجع عابر... بل وجع متجذر... كان الصمت يلفنا ونحن ننظر إلى قبرها رحمها الله وقرأت كل حروف صمتك يا أخي... رأيت بخاراً يتصاعد من جسدك... هو غليان الألم... مرت الثواني وأنا أرقبك كساعات... هناك خلف غشائك المتلألئ فقد... وروح ينحرها الاحتياج... ولجت بداخلك.. ولمست بيدي جدران بناها الحزن... وأشواكاً نبتت في دمعة متصحرة تشكو الشح... رأيت دمعتك فازداد جفافي وحاجتي إلى الارتواء من روح سكنت التراب... وتعانقت دمعتي مع دمعتك وامتزجا بألم الفقد... سقطت الدمعتان على قبر أمي وسرعان ما تغلغلتا داخله... كم اشتقت إليها وإلى كلمتها وسؤالها عن صحتنا... يا الله يا أخي... كم أود أن أحضنها بقلبي وعيني وصدري... اشتقت لرائحتها ولكفها الحاني حينما تمسد به شعري... كنت أشعر بالأبجدية تختنق في أطراف أصابعي... حينها احتجت بالفعل إلى ورقة بيضاء لكن هل كانت الورقة التي تمنيتها آنذاك قادرة على استيعاب بوحي... أخي... هنا جسد أمي مسجى تحت التراب... فتعال نقتسم الوجع والاحتياج لقد واريت حزني في داخلي وأنا أرفع كفي بالدعاء وحينما رأيت دمعتك التي اختلطت مع حروف دعائك فككت أسر دمعتي وأنا أرفع كفي بالدعاء لها... عشرة أيام يا أخي مرت وجسد أمي مغيب تحت الثرى عشرة خناجر تطعن يومي وروحي وجسدي كل يوم يا أخي أقص على سجادتها الخالية حكاية دمعي والصدأ يكسو روحي ولا أحد يستطيع أن يجلوه عنها أه يا أخي... كان بودي أن أنبش قبرها وأقبل جبينها وأنام بجانبها محتضناً كفها كما كنت أفعل صغيراً كل الأحوال الآن تبدلت ولن نعود يا أخي إلى الدار ونجد أمي بانتظارنا ولن استقبل منك اتصالاً تسأل فيه عن صحة أمي كما كنت تفعل حين تسافر ولن نطوق سريرها وأحاديثنا تنطلق باسترسال ملؤه الفرح ولن تستطعم حروفنا البهجة ستظل أبجديتي تنتحب كطفل مشرد غرز أحدهم سكيناً في صدره هكذا نحن من بعدها يا أخي وجه أمي ما يزال هنا يسكن كل أنحائي أجده أمامي في كل لحظة أبكي مرضها وأمسح دمعتها من عيني وأشعر بألمها في صدري وذاكرتي لا تعرف النسيان أحاول الهروب موهماً نفسي أني بحاجة إلى نوم عميق وحين أتمدد على سريري تقفز إليّ كل الذكريات وتمارس جلد ذاكرتي حزنك يا أخي لا يختلف عن حزني ودمعتك التي ذرفتها حين زرناها في قبرها نزفت نفسها بوجع يشبه وجعك وجعنا يا أخي واحد ومصيبتنا واحدة ووسم الاحتياج الذي يقتلك مع كل دمعة هو ذاته الذي يمارس قتلي في دمعي أخي... أصوات كثيرة حولي وحولك حياة تزدحم فيها الأضواء والألوان خلف هذا الجدار الذي يفصل بين الأموات والأحياء ما خلف الجدار لا نراه أمامنا مساحة شائعة من القبور تنتظر من يزورها وأنا وأنت هنا نبكي فوق قبر أغلى من في الوجود فبعدها يا أخي ليس لدينا غالٍ كل شيء غائب عدا حضور أمي وحزن صامت يسكن كل خلية من خلايا جسدينا لتأكلنا الوحشة بعد أن كانت تجهل طعمنا فالفوز يا أخي هذا الوقت الذي نبلل قبرها بدمعنا أشعر فيك يا أخي حينما ذرفت دمعتك وصدمت نظري أشعر فيك تهرول وحيداً في متاهات الاحتياج وكهوف الخوف المظلمة وأعاصير الألم تطاردك تحاول أن تلتهمك روحك ممزقة هنا فوق قبر أمي تبحث عن حضنها الدافئ هكذا كنت يا أخي هنا وهكذا كنت أنا من قبلك أقترب الآن مني أريد أن أغسل دمعتي على كتفك وأشعر بحرارة دمعتك على كتفي ستعود إلى دارك... وسأعود لداري... نحمل نفس الدمعة... ونفس الألم... فتعال نبكي هنا... فوق قبرها... نرطبه باحتياجنا لها... ونكتب على قبرها لن ننساك يا أمي أبداً... يا إلهي... كيف تستطيع أقدامنا أن تخرجنا من المقبرة... لتمر علينا الساعات والساعات... فوجه أمي أراه أمامي... وها هو جسدها مسجى هنا تحت التراب... ولن نراه ثانية... لقد أصبحت الحياة موحشة إلى حد الظلام كل الأشياء أسدلت أجفانها النوافذ والأنوار لا شيء سوى ألم يتسلق أرواحنا مستعيناً بسلالم الخوف فتعال نصرخ سوياً بدمعنا المتوجع وننادي أماه... نفتقدك.... [email protected]