بان من الواضح أن المواطن السعودي لديه حلم كبير هو تأمين المسكن، الحلم المشترك بين معظم بني البشر الساعين الى تحقيقه، وربما يصطدمون بكثير من المعوقات والتحديات؛ لذا يجب تهيئة الخطط السليمة لمساعدة الفرد على تحقيق هذا الحلم المشروع، فلو ترك الأمر على سجيته من دون تدخل فمعظمه لن يتحقق ويصبح أضغاث أحلام. ويمثل المسكن بالنسبة للمواطن السعودي واحدا من أهم المشاريع التي يسعى الى تحقيقها، فما المطلوب منه كفرد ورب أسرة وما البدائل التمويلية المتاحة لذلك؟. يعد «التمويل العقاري» للمساكن المحرك الرئيس لعملية تملك المساكن في معظم دول العالم المتحضر، ونحن في المملكة لسنا استثناء، فعلى نفس الدرب نسير، ويتحدث كثير من الناس عن مفهوم التمويل والرهن العقارى المعمول به فى المملكة؛ لتأمين الوحدة السكنية، لكن قليل منهم يعرف تلك البدائل وميزات كل بديل وعيوبه وخطوات الاستفادة من هذا النظام في شراء وحدة سكنية. ومن هذه البدائل التمويل الذاتي، قرض صندوق التنمية العقاري الاعتيادي، القرض العقاري المعجل الذي تم إقراره مؤخرا، التمويل البنكي، الشراء بالأقساط من الممولين العقاريين، الرهن العقاري، التسجيل في قوائم وزارة الإسكان، التمويل من جهة العمل. إن هذه البدائل لها ما لها وعليها ما عليها وتتطلب تهيئة واستعدادا فرديا لمواجهة الواقع ومتطلبات المسكن الحديث من تجهيزات وديكورات وتنسيق وتأثيث وقبلها تأمين الأرض في معظم البدائل، وأصبح التمويل الذاتي نادرا لشريحة محدودة من المجتمع خصوصا في ظل ارتفاع سعر الأرض التي تمثل حاليا حوالي 50% من قيمة المسكن، أما صندوق التنمية العقاري فكان له دور كبير في أواخر السبعينيات في معالجة مشكلة الإسكان، وساهم بقوة في تأمين المساكن لمعظم شرائح المجتمع السعودي حيث كان القرض العقاري سهلا يسيرا، وكانت كلفة الأرض السكنية بسيطة لا تتجاوز 10% من قيمة المسكن وكان الحصول على القرض لا يحتاج إلى وقت طويل؛ وحاليا يتطلب الوضع الانتظار لنحو 15 عاما، وهي فترة طويلة جدا ولكنه يظل خيارا ملائما لبعض الشرائح. أما القرض المعجل، فهو يحل مشكلة طول الانتظار، إلا أنه يحمل المقترض عبئا ماليا أكبر بسبب الفوائد التي سوف تجنيها البنوك، وفي رأيي هذا الحل مناسب لو تم فرض نسبة مرابحة معقولة وشاركت وزارة الإسكان في تمحملها، وفي التمويل البنكي، فحدث ولا حرج، فعلى الرغم من قيام كثير من البنوك العاملة في السوق بالتسويق والإعلان عن التمويل العقاري من خلال طرح برامجها للتمويل، إلا أن الواقع يؤكد ان المعدلات ما زالت ضعيفة لا ترقى الى الطموح او بمعنى أدق لا تسد احتياج الطلب، خصوصا في ظل تمويل القرض لشراء مسكن عظم من دون تشطيب واشتراط تأمين نسبة 30% من القيمة، وهي نسبة يعجز كثيرون من تحقيقها حيث مازالت قروض البنوك لا تحل المشكلة. وعندما تمنح البنوك قرضا سكنيا لشراء عقار غير مكتمل، ثم لا يستطع اكمال البناء تكون المشكله أكبر، فإن النتيجة تكون منزلا لم يكتمل، وقرضا ساريا مع الفوائد، وتشير نشرات كتابة العدل الى تناقص في عدد الصفقات التي تمت في خلال السنة الماضية على الرغم من حاجة الأسواق وتزايد العروض. أما الشراء بالأقساط عن طريق الممولين العقاريين غير الرسميين، فهي أم المصائب حيث الطمع والجشع والضمانات الكثيرة والقيود العديدة والمشكلات المتعددة وهو خيار غير محبب. ويشكل التسجيل في قوائم وزارة الإسكان احد المخارج التي فتحت باب الأمل لكثير من الناس الذين لا يملكون شيئا من حطام الدنيا غير أن البطء في مسيرة مشاريع الإسكان أضعف ذلك الأمل وأحبط المسجلين، ولكنه يظل خيارا قويا اذا ما بادرت وزارة الإسكان في تطوير أدوات التعامل مع المشكلة وأشركت المطورين العقاريين في هذا البرنامج، والخيار الأخير المطروح وهو التمويل عن طريق جهة العمل حيث أثبت هذا الأسلوب عددا من الإيجابيات عالميا ومحليا، ومن الأمثلة الناجحة شركة ارامكو السعودية، وشركة سابك، والهيئة الملكية بالجبيل، وبعض الشركات الكبرى وفق برامج معقولة، وتمويل كاف، وضمانت يسيرة، وإجراءات سهلة، وكان من نتائجها وآثارها الكبيرة تعزيز الولاء للمؤسسة، وزيادة إنتاجية، وحبذا لو استحدثت وزاراتنا الحكومية وشركات القطاع الخاص هذا الأسلوب لكان أكثر جدوى لنا، وفي كثير من الشركات اليابانية والكورية الرائدة أمثلة رائعة جديرة بالاقتداء. أما موضوع الرهن العقاري، فلا يزال يراوح مكانه والجميع ينتظر اقراره وصدوره والبدء بتطبيقه، فيجب ان نعترف ان المشكله قائمة ما لم يتم وضع حلول جدرية تعالجها، واعتقد اننا بحاجة الى وضع خطة تشترك فيها مؤسسة النقد والبنوك وصندوق التنمية العقاري، ووزارة الإسكان وشركات التمويل والمطورين العقاريين بحيث يمكن توفير قرض مسكن مكتمل ميسر يحقق التنمية العمرانية. هذا إضافة الى أهمية تهيئة الفرد من الناحية الاستثمارية والوعي بمفاهيم التوفير والادخار ووضع الميزانيات والخطط المناسبة لتمكنه من اختيار البديل المناسب لإمكاناته وظروفه، وقد يكون الأمر بحاجة الى مستشارين ماليين للمساعدة في ذلك الاختيار. * الرئيس التنفيذي لشركة آل نوح العقارية