سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«أزمة السكن» ستتمدد ما لم تكن الحلول رهينة بمعالجة تضخم سوق العقار رفع قيمة القرض لم يعد مجدياً طالما ترافقت معه زيادة بنفس النسبة في أسعار الوحدات .. مختصون:
في الوقت الذي يشهد قطاع الإسكان في المملكة فجوة بين الحاجة للوحدات السكنية التي تصل ل 200 ألف وحدة سكنية سنوياً، والطلب الذي يصل ل 100 ألف وحدة سكنية، جراء ندرة الأراضي الصالحة لبناء مساكن لدى الأمانات وارتفاع حجم الطلب على القروض والمقرون بارتفاع أسعار البناء، تبذل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، جهوداً كبيرة لمعالجة هذه الفجوة وتمكين المواطن من الحصول على المسكن الملائم في الوقت المناسب من العمر، حيث طرحت الكثير من الحلول من جهة رفع قدرة وزارة الإسكان الإنتاجية ورفع قيمة القرض ل 500 ألف ريال، بالإضافة لتعزيز قوة عناصر السوق العقارية من منتجين ومستهلكين ووسطاء ماليين وعقاريين، لتتمكن السوق من تطوير مساكن ملائمة يُمكن للمواطنين شراءها، من خلال البدائل التمويلية المتاحة في إطار أنظمة التمويل العقاري التي أصدرتها الدولة بضمان العين العقارية المُطوّرة وبضمان دخولهم الشهرية. «الجزيرة» استطلعت آراء مختصين حول واقع تمويل العقار في المملكة، بعد صدور أنظمة التمويل العقاري وانطلاق الكثير من المؤسسات المالية والشركات الاستثمارية في تمويل المطورين والأفراد، وأثر ذلك على واقع ومستقبل السوق العقارية ومكانتها في مكونات الاقتصاد الوطني بمجمله. وقال العقاري المهندس عبد الله الرشود رئيس شركة بلوم للاستثمار، إن التمويل العقاري في المملكة لا يزال يتلمّس طريقه في سبيل تلبية احتياجات أكبر شريحة من طالبي السكن، حيث لا يزال الممولون يتنافسون في تقديم نفس المنتجات منذ عشرات السنين، وإن توجه بعض البنوك وشركات التمويل مؤخراً لإطلاق منتجات تمويلية مبتكرة، إلا أنها لا تزال غير قادرة على تغطية الطلب المرتفع في السوق. وأضاف الرشود أن النسبة العظمى من المجتمع الذين هم في حاجة لشراء مسكن ويتطلعون إلى التملك عبر رفع قدرتهم الشرائية، خصوصاً بعد صدور أنظمة الرهن، والتي من المتوقع أن تساهم في إدخال أكبر قدر من شرائح المجتمع ضمن عملاء التمويل العقاري في حال تم التوسع فيه للمشترين، وإيجاد حلول مبتكرة مثل منتجات الإجارة الموصوفة بالذمة، أو ابتكار منتجات أخرى تمكن شريحة أكبر من المجتمع للدخول تحت مظلة (مطابق للشروط)، وشدد الرشود على أهمية هذه الخطوة القابلة للتطبيق والتي يمكن مقارنتها – وإن بشكل جزئي – بما نجحت به البنوك وشركات التمويل في فترات سابقة من التوسّع في تمويل السيارات وتسهيل الحصول على تمويل سيارات، وإيجاد حلول ومنتجات مبتكرة، الأمر الذي رفع القدرة الشرائية لامتلاك سيارة فارهة لمعظم فئات المجتمع. وعلى صعيد تمويل المطورين العقاريين، قال الرشود إنه يُمكن للبنوك بالتعاون مع المطورين العقاريين والصناديق خلق فرق حقيقي في مستوى جودة وأسعار منتجات العقار، كون تمويل المشاريع العقارية سيرفع من جودتها بحكم متطلبات المموّلين العقاريين وتشددهم الإيجابي في التأكد من جودة المشاريع الممولة، لكونها الضمان الرئيسي لنجاح عملية التمويل وتحقيق أهدافها، حيث على سبيل المثال تطلب البنوك الممولة تعيين استشاري هندسي مستقل، وبوليصة تأمين لكافة أنواع الأخطار، وشهادات جودة وضمانات حسن التنفيذ وخلافه، مما يرفع مستوى جودة المنتج العقاري. من جهته يرى المهندس سعود القصير المدير التنفيذي لشركة أمجال للتطوير العقاري، أن التمويل عنصر حاسم في ازدهار أي قطاع اقتصادي، وتمويل المطورين العقاريين يؤدي إلى ازدهار قطاع الإسكان وزيادة الإنتاج واشتعال حدة المنافسة التي تؤدي لجودة عالية وأسعار معقولة، مبيناً أن تمويل المطورين العقاريين من خلال المؤسسات المالية أو من خلال سوق المال، ارتفع بشكل كبير خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنه لم يصل للمعدلات العالمية، حيث لا زالت حصة التمويل العقاري منخفضة مقارنة بالدول الأخرى وحجم القطاع من تمويل المشاريع العقارية زاد عما مضى بعشرة أضعاف، وهذا شيء مبشر وينم عن نمو ويدعو للتفاؤل إذ لدينا اليوم صناديق تمويل عقارية ب 25 مليار ريال، وإذا استمر التمويل العقاري ينمو بالمعدلات المتوقعة فسيصل بإذن الله للمعدلات العالمية. وبيّن القصير أن التمويل العقاري لازال في بداياته ولازالت المؤسسات المالية غير مندفعة لعدة أسباب الأول تنظيمي كمشاكل التسجيل العيني ونظام الرهونات ومشاكل التقاضي، والثاني أننا لازلنا في البداية ونحتاج لوقت خصوصاً وأنّ الأزمة العالمية انطلقت شرارتها من التمويل الإسكاني، والثالث أن لدى مؤسسات التمويل بدائل تمويلية أقل مخاطر من تمويل العقار، لأنّ تلك البدائل في قطاعات أكثر تنظيماً وضماناً، والممول يبحث عن الفرص التمويلية البديلة الأقل مخاطرة، وبالتالي فإن تمويل العقار في مرحلة نمو ولا يمر بمرحلة اندفاع كبير ولازلنا أقل معدلات دول مجلس التعاون. وشدد القصير على الأثر العظيم لتمويل المطورين العقاريين إذ إن الممولين لا يمولون إلا شركات تطوير ما سيجعل التطوير المؤسسي يسود على التطوير الفردي، كذلك الممول لا يمول المطور إلا بعد أن يتأكد من جدوى المشروع العقاري الذي سيموله، وقدرة المطور على الإنجاز المُزمّن بالوقت المحدد وبالجودة المطلوبة وبأسعار تسويقية متناولة، بمعنى أنه يتأكد من جدوى المشروع من لحظة التصميم حتى البيع النهائي وتحصيل مبالغ المبيعات كاملة، وهذا يرفع من مستوى إدارة المشاريع العقارية إلى معايير عالية من جهة الجودة وزمن التطوير ومعقولية الأسعار. وبيّن القصير أن شركات تطوير المساكن أكثر من السابق وزادت حصتهم في تطوير المساكن بالتزامن مع انطلاق مؤسسات التمويل بتمويل المشاريع الإسكانية بشروط قاسية لخشية البنوك من مخاطر التمويل العقاري، بالتزامن مع ضرورة تنويعها لمحافظها التمويلية، ومن ذلك وضع حصة تمويلية للقطاع العقاري، مؤكداً أنّ ذلك زاد أدوات التمويل العقاري، حيث أصبح لدينا التمويل المباشر للمشروع project finance، والقرض المُجمّع (أكثر من مؤسسة تمويلية تشترك بتمويل مشروع واحد)، والصناديق العقارية (أقرت 2006 ووصلت حالياً ل 25 مليار ريال)، وتعتبر من أدوات التمويل المميزة والأفضل لتمويل العقار لمناسبتها لمدة التطوير والبيع. وفيما يتعلق بتمويل الأفراد لشراء العقارات، قال القصير إنّ المعضلة الحقيقية تتمثل بالقدرة الشرائية التي يعالجها التمويل العقاري للأفراد ذوي الحاجة لتتحول الحاجة لطلب حقيقي، مبيناً أنّ الفجوة بين الحاجة والطلب تصل ل 100 ألف وحدة سكنية تقريباً، بسبب ضعف القدرة الشرائية، والتمويل العقاري للأفراد سيعالج هذه المعضلة ليزداد الطلب ويزداد إنتاج شركات التطوير المؤسسي لكون معايير التمويل الفردي، بالإضافة لارتباطها بالملاءة المالية للمشتري مرتبطة أيضاً بجودة المنزل الذي يجب أن يكون متعاظم القيمة وصالحاً لمدة 30 سنة على الأقل. وتوقع القصير أن يقلل تطبيق لوائح الرهن العقاري خصوصاً بجزئية التوثيق وجزئية الحكم على الرهونات من مخاطر التمويل العقاري، وبالتالي سيزدهر هذا النوع من التمويل مما يؤدي لازدهار التطوير الإسكاني المؤسساتي وزيادة نسبة المساكن المطورة مؤسساتياً على حساب المطورة فردياً، وهذا سينعكس على المحافظة على أصول البلاد العقارية بدلاً من تهالكها، كما سيؤدي لخفض تكلفة الدين وازدهار أدواتالتمويل مثل السندات والصناديق لتصبح الثروة العقارية جزءاً من المنظومة المالية، ما يؤدي لاستثمار البلاد للفوائض المالية في قنوات استثمارية تمثل الاقتصاد الحقيقي، وكل ذلك سيؤدي للمزيد من الازدهار والنضج في سوقي العقار والتمويل معاً، إضافة لأسواق أخرى مرتبطة بازدهار السوق الإسكانية. من جهته قال الاقتصادي فضل البوعينين، إنّ تحركات صندوق التنمية العقاري التي ركزت على رفع حجم القرض، لم تسهم في مساعدة المواطن المستحق للقرض على استغلاله لبناء منزل أو شراء وحدة سكنية جاهزة؛ حيث تجاوبت أسعار الوحدات السكنية مع قرار زيادة القرض السكني؛ وارتفعت بنسبة كبيرة حالت دون قدرة المواطنين على الشراء. يجب أن نعترف أن الصندوق العقاري قدم منتجات متنوعة بهدف تمكين المواطنين من امتلاك منازل؛ إلاّ أنّ تلك البرامج لم تكن متوافقة مع الاحتياجات الأساسية؛ ولم تنجح في معالجة أزمة السكن الخانقة. فمشكلة مستحقي القروض لم تقتصر على ارتفاع تكلفة البناء بل تجاوزتها إلى عدم وجود الأرض التي يمكن البناء عليها؛ فغالبية المستحقين للقروض تصرفوا في أراضيهم بعد يأسهم من الحصول على القرض، وأصبحوا غير قادرين على شراء أرض أخرى لعدم امتلاكهم المال الكافي، إضافة إلى تضخم تكلفة العقار التي تحد من فاعلية التمويل. ومن هنا كان لا بد من النظر في بدائل جديدة تساعد مستحقي القروض في الحصول على مصادر تمويل إضافية لشراء الأرض؛ أو المنزل الجاهز. ولأسباب مرتبطة بكتابات العدل؛ وآلية رهن العقار للصندوق العقاري؛ باتت عملية الحصول على قرض إضافي من البنوك شبه مستحيلة؛ حيث تشترط المصارف رهن الأرض أو المنزل مقابل تقديم القرض للعميل؛ إضافة إلى تحويل الراتب لضمان السداد مستقبلاً. لذا قام الصندوق بتقديم منتج القرض الإضافي عن طريق المصارف؛ لمساعدة المواطنين على استكمال المبالغ المطلوبة لشراء الأرض؛ أو المنزل الجاهز. وأضاف البوعينين : المعالجة المتأنية لمعوقات الرهن أثمرت عن توصل الصندوق العقاري إلى اتفاق مع وزارة العدل، يقضي بتسجيل العقار باسم المقترض ومن ثم رهنه للصندوق وللبنك المقرض في آن واحد. فالرهن المزدوج ساعد على معالجة المعوقات التي كانت تحول دون حصول المواطن على قرض إضافي من البنوك. وتابع: القرض الإضافي لن ينهي مشكلة المسجلين على قائمة الانتظار لأسباب متعددة؛ ومن أهمها؛ الملاءة المالية التي قد تحرم كثيراً من المواطنين من القرض الإضافي؛ أو قد تقلص حجمه بشكل كبير؛ إضافة إلى الغلاء الفاحش في قيمة العقارات والمنازل الجاهزة. ورأى البوعينين أنّ معالجة الصندوق العقاري لأدوات التمويل المالي بمعزل عن معالجة تضخم سوق العقار، لن يساعد في تحقيق الأهداف المرجوة. ومن هنا أقترح أن يكون هناك آلية لتوزيع أراضي المنح علىمستحقي القروض لمساعدتهم على البناء؛ وهذا يمكن تحقيقه بسهولة. فأراضي الدولة شاسعة؛ ويمكن من خلال التطوير السريع توفير الأراضي المناسبة للمواطنين. ومن جانب آخر يمكن للمساهمات المتعثرة أن تكون حلاً ناجعاً لتوفير الأراضي العاجلة للوزارة؛ خاصة وأن تلك المساهمات باتت ضمن النطاق العمراني . أتمنى أن يكون لوزارة الإسكان دور في شرائها؛ وتوزيعها على المستحقين. وقال البوعينين إن أزمة السكن ستكون قائمة ما لم تتدخل الحكومة في معالجة تضخم سوق العقار التي وصلت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة. وأضاف: نحتاج أنظمة جديدة تقود إلى الضغط على أسعار العقارات مثل فرض رسوم على الأراضي البيضاء المخدومة؛ وجباية الزكاة؛ والحد من المضاربات على الأراضي البيضاء من خلال النظام؛ والتحول من المساهمات العقارية المرتبطة بالأراضي البور إلى المساهمات العقارية التي تقدم المنتج النهائي من خلال التطوير البناء؛ من الأنظمة التي يمكن أن تساعد في معالجة أزمة التضخم في سوق العقار. فالحلول التقليدية لم تعد مناسبة لمعالجة أزمة السكن، والبطء في المعالجة سيؤدي إلى تضاعف الأزمة قريباً؛ لذا يجب التحرك السريع لمعالجة الأزمة الخانقة بأدوات وبرامج تضمن النجاح؛ وتحقق الأهداف.