لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه مآثر لا تحصى ومواقف ومبادرات شجاعة شهد لها العالم أجمع وله إصلاحات على مستوى الوطن في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية. ولن نستطيع أن نلمَّ بمآثر خادم الحرمين الشريفين وأعماله الجليلة ومبادراته الهادفة في مجالات مختلفة لكننا سنقصر الحديث هنا على جوانب مضيئة وعلامات مشرقة في الشأن الثقافي في بلادنا الغالية وسنورد هنا نماذج من مآثره على الحركة الثقافية ومن ذلك: 1 - أصبح الحرس الوطني بقيادته الرشيدة وتوجيهاته السديدة مؤسسة عسكرية حضارية ثقافية في الوقت نفسه، حيث انتشرت في وحداته ومدنه العسكرية المدارس في مختلف مراحلها وقام جهاز الإرشاد والتوجيه بواجباته العلمية والدعوية والتثقيفية على خير ما يرام وتم إنشاء المكتبات وطباعة الكتب وتوزيع الأشرطة وإقامة المسابقات وبذلت الجهود الجبارة لمحو الأمية ونشر العلم والثقافة وهذا يدل على سعة الأفق والتخطيط السليم من لدن باني هذه المؤسسة الوطنية المخطط لها والساهر على تطويرها وتحديثها حفظه الله ورعاه. 2 - جاءت فكرة (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) الذي يقام كل عام دليلاً ساطعاً على اهتمامه حفظه الله بالعلم والثقافة والأدب حتى أصبح ذلك المهرجان أشهر مهرجانات الثقافة والتراث على المستوى العربي والإسلامي، بل إن كل مثقف في هذا البلد ينتظر دورة المهرجان السنوية بكل حب وتقدير وتطلع إلى كل جديد مفيد في عالم التراث والثقافة، بل أصبح المثقفون في العالم العربي والإسلامي وعلى المستوى العالمي يتطلعون إلى المشاركة في الفعاليات والنشاطات الثقافية للمهرجان حتى اننا - نحن المثقفين السعوديين - أينما ذهبنا وحينما شاركنا في المناسبات الثقافية فإن أول سؤال يوجه إلينا ما أخبار المهرجان الوطني للتراث والثقافة؟ ومتى يعقد؟ وما موضوعه لهذا العام؟ وكيف يمكننا المشاركة فيه؟ لقد قام المهرجان الوطني للتراث والثقافة بدور رائد في نشر الثقافة وتأصيلها في بلادنا بما قدمه من ندوات وأمسيات وما طبعه من كتب ونشرات وبالحشد الهائل من صفوة المثقفين في العالم العربي والإسلامي والدولي الذين يشاركون فيه إخوانهم وزملاءهم من صفوة المثقفين السعوديين. ومن ينظر في المحاور والموضوعات الرئيسة للمهرجان في دوراته السابقة يدرك مدى الأهمية له وحسن الاختيار لموضوعاته والمشاركين في مناقشاته ومداولاته. لقد حقق المهرجان - في جوانب ثقافية متنوعة - ما لم تحققه الجامعات أو وزارة التعليم العالي أو وزارة الثقافة والإعلام وما كان لذلك أن يتحقق لولا الدعم السخي والمتابعة الدقيقة له من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله إلى كل خير. 2 - أمر آخر لا يقل أهمية عن عنايته حفظه الله بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) هو إنشاؤه (لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة) تلك المكتبة الكبرى التي أصبحت من أهم المعالم الثقافية في العاصمة الرياض والتي خرجت بنشاطاتها المتنوعة عن المفهوم التقليدي للمكتبة إلى مجالات ثقافية أرحب وأكثر تأثيراً في المجتمع الثقافي من عقد لندوات ثقافية كبرى ومن نشر لمطبوعات متنوعة وإقامة لمعارض ثقافية وفنية متنوعة في داخل المملكة وخارجها، ومن عناية بثقافة المرأة والطفل. وقد نظمت المكتبة العديد من المؤتمرات والندوات مثل ندوة استخدام اللغة العربية في تقنية المعلومات، وندوة: الأندلس: قرون من العطاءات، وندوة: مستقبل الثقافة العربية، وندوة: مراكز المعلومات عن العالم الإسلامي. وأذكر هنا أننا عندما اختتمنا ندوة (اللغة العربية وتقنية المعلومات) قام المشاركون في الندوة وهم عدد كبير من المتخصصين من مختلف البلدان العربية بزيارة له حفظه الله للتشرف بالسلام عليه وشكره على رعايته للندوة وألقى العالم الجليل الدكتور شاكر الفحام، رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق كلمة نيابة عن المشاركين وعندما انتهى من كلمته وجه حفظه الله سؤالاً لنا وماذا أنتم فاعلون بعد انتهاء الندوة نريد أن نرى عملاً لتنفيذ التوصيات ونريد الاستمرار في بحث هذا الموضوع المهم الذي يخدم لغتنا العربية ثم وجه الكلام إلى الأخ العزيز معالي الأستاذ فيصل المعمر، وإلى الأستاذ عبده الفيلالي المسؤول عن مؤسسة الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بالمغرب قائلاً: أدعوهم إلى ندوة أخرى في المؤسسة في المغرب فكانت لفتة كريمة منه عقدت على أثرها الندوة الثانية عن (اللغة العربية والحاسوب) في مؤسسة الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بالدار البيضاء. وفي كل مرة تنظم المكتبة ندوة أو مؤتمراً يلتقي حفظه الله بالمشاركين ويزودهم بتوجيهاته السديدة ويخرجون من مجلسه العامر وهم أكثر ثقة وتصميماً على مواصلة البحث في موضوعاتهم العلمية والثقافية. 4 - ولم تقتصر عنايته بدعم الثقافة العربية والإسلامية على داخل المملكة بل تجاوزت ذلك إلى خارجها وخير مثال على ذلك انشاؤه لمؤسسة الملك عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بالمغرب الشقيق وانفاقه عليها بسخاء حتى أصبحت من أهم وأكبر المؤسسات الثقافية بالمغرب بما تملكه من مكتبة زاخرة بأمهات الكتب والمراجع وبما أقامته من ندوات وحلقات حوار وما أصدرته من مطبوعات مما جعل الأشقاء من المثقفين المغاربة يلهجون بالدعاء والشكر له حفظه الله على هذه المكرمة الثقافية النافعة. وقد توج - حفظه الله - اهتماماته الفكرية والثقافية بإنشاء (المركز الوطني للحوار)، ذلك المركز الذي فتح آفاقاً جديدة للحوار بين العلماء والمثقفين في هموم الوطن وتوجهاته وما يتطلبه مستقبله الزاهر من مناقشات ومداولات وتلاقح أفكار ينتج عنها حراك فكري وثقافي يعزز الانتماء الوطني ويقرب بين فئات المجتمع وتوجهاته الفكرية التي تموج بها الساحة ولابد من أن تلقي لتتناقش وتتطارح الأفكار والرؤى في جو علمي أخوي تسوده المحبة وترفرف عليه روح النقاش البناء والحوار الأخوي والبحث عن الحلول الناجعة الناجحة لمشكلات المجتمع بمختلف طبقاته. لقد حرك هذا المركز راكداً وأوجد جواً من الحوار أبناء والنقاش المفيد وفق ضوابط وأسس تحكم الحوار وتسوده وتوجهه الى ما فيه الخير والفائدة للوطن والمواطن مما شجع الجميع على طرح أفكارهم من غير تردد أو خوف. 6- ومآثره الثقافية كثيرة وإنما أوردنا نماذج منها في هذه المناسبة الشعبية الجميلة التي تدل على مدى الحب والولاء للقائد العظيم الحريص على مصالح شعبه وأمنه المتواضع في تعامله الحازم في قراراته الجريئة في مبادراته وتوجهاته وقبل الختام فإن للمثقفين تطلعات وأماني هم على ثقة بأنها ستحقق قريبا - إن شاء الله - على يديه ومن ذلك: 1) الإسراع بإصدار المرسوم الملكي بإنشاء (مجمع اللغة العربية) في المملكة ونحن نعرف أنه في المراحل الأخيرة ويحدونا الأمل في أن يتم ذلك قريباً جداً فوالله ما حضرت اجتماعا لمجمع اللغة العربية في القاهرة الذي أتشرف بعضويته إلا كان السؤال الملح أين مجمع اللغة العربية في السعودية منبع العروبة وحاملة لواء الإسلام وطن الأجداد ومسرح شعراء العربية بلد الأصالة والاعتزاز بالعربية لغة القرآن الكريم؟ فنقول لهم قريباً جداً سيصدر نظام المجمع وإنا معهم لمنتظرون وواثقون؟!! 2) ويتطلع المثقفون الى عودة (جائزة الدولة للأدب) في ثوب جديد ونظام شمولي أوسع بحيث يكون هناك جوائز لا جائزة واحدة جوائز تقديرية للرواد وأخرى تشجيعية للشباب، ولاشك أن بلادنا - رعاها الله - زاخرة بالعلماء والمفكرين وهم يستحقون من دولتهم كل دعم مادي ومعنوي. 3) ويتطلع المثقفون إلى (قناة ثقافية) تعنى بالشأن الثقافي في المملكة ولتكون صنواً للقناة (الرياضية) و(الاخبارية). 4) ويتطلع المثقفون إلى إنشاء (مجلس أعلى للثقافة) يجمع كل الوزارات والمؤسسات المعنية بالثقافة في مجلس واحد يضع الاستراتيجيات الثقافية ويشرف على الخطط والبرامج الثقافية العامة. 5) سبق أن اقترحت على إدارة (المهرجان الوطني للتراث والثقافة) فكرة تحويل المهرجان إلى مؤسسة كبرى للمهرجانات التراثية والثقافية حتى يتم التوسع والتنوع في تلك المهرجانات مكاناً وزماناً وتخصصاً واهتماماً. وختاماً فإننا - بحمد الله - مقبلون على نهضة علمية وثقافية كبرى في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله ورعاهما وعلينا جميعاً أن نبذل النفس والنفيس لخدمة وطننا الغالي والنهوض به وحمايته من التطرف والإرهاب.. والله الموفق..