في مجالس الشعراء ونواديهم لهم مشروبهم الخاص والذي اعتادوا عليه وهو القهوة العربية، التي هي أهم شيء يختصون به في تلك المجالس. والقهوة العربية تعتبر من اساسيات كتابتهم للقصيدة خصوصاً فيما يختص بوصفهم لها وتجسيدهم لها من خلال ايضاً وصف الفناجيل ووصف شاربيها، ولعل الكيف عندهم يتمثل في القهوة من خلال رائحتها ولونها ومذاقها وكذلك من يقوم بصبها وتقديمها. هذه الفنية التي اختص بها العرب منذ القديم ما هي الا تجسيد لما كانوا عليه من حبهم للقهوة، ولذلك نجد ان اهتمام الشعراء بها لم يكن ليأتي لولا أنها هي بمثابة الأنيس للشاعر ورمز للكرم العربي، وعليه فإن الشعراء كانوا يوصون على صنعها بموازين خاصة للكيف اثناء شربها يقول الشاعر مدوخ بن ظمنه: البن كيفته عند من يشترونه والمشكل اللي جابها من بلدها يا مسوي الفنجال لا تحرقونه واحذر عن الشعلة تعدى صمدها حتى يجيك محمر لونه محة جرادة طاير من جسدها وللقهوة نمط خاص في إعدادها، فهناك معايير خاصة بها تتمثل في حمسها وإعداد لونها ومن ثم رائحتها ليأتي إعدادها الإعداد الصحيح لتكون بعد ذلك جاهزة للشرب، وهنا تأتي سعادة الشعراء برائحة القهوة ومنظر حمسها ثم دقها في النجر يقول الشاعر محمد العاصمي: والله ما أستانس وينساح بالي إلا إلى ما قام يزجر فحلها وأشوف حيران النياق الغوالي تدرج ونار الربع يوضي شعلها في مجلس والربع ربع رجالي والسالفة ون جات ما حد شقلها وللشعراء مزاج خاص في إعداد القهوة والانسجام بطريقة عملها يقول الشاعر دغيم الظلماوي: ياكليب شب النار ياكليب شبه عليك شبه والحطب لك يجابي وعلي انا يا كليب هيله وحبه وعليك تلقيط الدلال العذابي وادغث لها يا كليب من سمر خبه وشبه الى منه غفا كل هابي ومن هنا نلاحظ مدى حب الشعراء لها والتفنن في وصفها وتجسيدها في قصائدهم التي لازالت حديث المجالس الشعرية حتى الآن.. وايضاً نلاحظ تلك العلاقة القوية بين القهوة والقصيدة في هذا الموروث الشعبي العريق الذي يربطنا بالقديم الرائع الذي عاشه اولئك الشعراء المبدعون. يقول الشاعر المبدع محمد العبدالله القاضي في وصف القهوة: دنيت لي من غالي البن مالاق بالكف ناقيها عن العقف منسوق احمس ثلاث يانديمي على الساق ريحه على جمر الغضى يفضح السوق ثم يوصي الشاعر من يقوم بحمس القهوة فيقول: وإياك والنيه وبالك والاحراق واصحا تصير بحمسة البن مطفوق والى اصفر لونه ثم بشت بالاعراق اصفر كما الياقوت يطرب لها الموق وعطت بريح فاخر فاضح فاق ريحه كما العنبر بالأنفاس منشوق ثم يصف الدله التي تصب فيها القهوة فيقول: لقم بدله مولع كنها ساق مصبوبة مربوبة تقل غرنوق خله تفوح وراعي الكيف يشتاق الى طفح له جوهر صح له ذوق زله على وضا بها خمسة ارناق هيل ومسمار بالأسباب مسحوق مع زعفران والشمطري الى انساق والعنبر الغالي على الطاق مطبوق ومن الرائع ان نقرأ ذلك التفنن العذب في وصف تلك القهوة التي هي اساس الشعراء في نواديهم ومسامراتهم، والذي من خلاله نجد مدى اهتمامهم بها وهنا نجد صورة حقيقية لمجتمعهم الشعري الذي يتسم بالتلقائية والروعة والكرم اضافة الى ذلك الإبداع الشعري الذي يمتازون به في قصائدهم.