الاهتمام بأهل الجزيرة العربية وتدوين قصصهم وأشعارهم سلوك أدبي شائع عند كثير من الأدباء ساهم في حفظ تراثنا الثقافي على مر العصور ولعل أشهرهم في ذلك الأصمعي ثم ابن فضل الله العمري وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري نجد أن كاتب جوازات السويس محمد حسني أفندي العامري ونتيجة مخالطته لأهل نجد المارين بقناة السويس قد مكنه جمع مرويات من قصص وأشعار أهل نجد افرد لها باباً اسماه طبقات العرب وسجاياهم ضمن كتاباً أتم طباعته في مطبعة الهلال بالفجالة بمصر في يوم الجمعة 20 رجب سنة 1314ه واسم الكتاب (نزهة الألباب: في تاريخ مصر.وشعراء العصر.ومراسلات الأحباب) وقد أهداه المؤلف إلى خديوي مصر عباس حلمي الثاني. ويبدو أن دافع العامري لذلك هو إعجابه الشديد بالعرب وحبه للاختلاط بهم ومحادثتهم ويذكر ذلك في قوله».. ان يمتع أنظارنا ويفرح قلوبنا برؤية من تمسكوا بشيم جدودهم فلم يتمكن الأجنبي من المداخلة بينهم ففي كل عام تتشرف السويس بما لا يتجاوز العشرات من أكابر العرب الكرام القريبين من السواحل البحرية مثل الحسا وعمان وغيرها.. وشاهدت تجار الإبل من أهل نجد أثناء مرورهم على السويس..»ثم يؤكد على انه نقل هذه الأشعار عن تجار الإبل من عرب نجد ولكن أشكل عليه كتابة الألفاظ بحسب ما سمعها فأرسل إلى صديقه في جدة مبارك بن مساعد البسام يطلب المساعدة في فهم ما أشكل عليه. المقارنة بين الروايات: إن المقارنة بين ما جاء عند العامري وبعض الروايات يعطي دلالة على مدى التغير وتأثير الرواة على النص ولذلك سنستعرض بعض النصوص التي أوردها ونقارنها مع ما جاء في بعض المصادر وسنبدأ بالنصوص مرتبة وفق ما جاء عند العامري حيث بدأ بقصيدة دغيم الظلماوي عن القهوة والتي دون منها ستة أبيات: يا كليب شب النار يا كليب شبه عليك شبه والحطب لكي جابي بالكي اللي شبيته واصلى هبه تجلب عليك سراة ليلٍ غيابِ انا عليه جيب ماها وحبه وحمسه وتقليط الدلال العذابِ لا محالا يا كليب حمسه ودقه يجلب لنا يا كليب ناساً غيابِ لا جاضع المسبوع خطو الجلبه الا ما حلا يا كليب طق الرسابِ(1) والوالمه يا كليب للربع صبه والرزق عند اللي نشا السحابِ ونجد أن النص في مخطوط الربيعي يبلغ عدد أبياته ستة وعشرون بيتاً منها: يا كليب شب النار يا كليب شبه عليك شبه والحطب لك يجابي وان علي أجيب ماها وحبه ودقه وتقليط الدلال العذابي بنجرٍ اليا حرك بليلٍ ينبه لا دق طاره تقل ذيبٍ ابنابي ثمٍ الى شبيتها ثم قبه تدعي اسراتٍ من بعيد اغيابي وادغث لها يا كليب من جزل خبه بالليل لامنه غفا كل هابي لا جاضع المنزوع خطو الجلبه واحلو تالي الليل خبط الركابي اسرات ليل وناطحينٍ مهبه متكوبعين وسوقهم بالعقابي نسرية يا كليب يا كود غبه لا هب نسناسه تقل سم نابي اقحص لهم وابدي جواب المحبه لاشح بالهين غليض العلابي وجاء النص عند الفهيد في ثمانية عشر بيت نختار من مطلعه ما يفي بالمقارنة: يا كليب شب النار يا كليب شبه عليك شبه والحطب لك يجابي الوالمه يا كليب عجل بصبه والرزق عند اللي ينشي السحابي حنا علينا جيب ماها وحبه وعليك تقليط الدلال العذابي ابغث لها يا كليب من جزل خبه وشبه الى منه هبا كل هابي باغٍ الى شبيتها ثم قبه تجلب سراةٍ من بعيد غيابي بنسرية يا كليب يا شين غبه لا هب نسناسه تقل سم دابي متكتفين وناطحينٍ مهبه متلطمين وسوقهم بالعقابي كما نجد أن هذا النص قد جاراه عدد كبير من الشعراء المعاصرين للشاعر ومنهم الربيعي قصيدة يا كليب راعي قصر العشروات الذي يقول في مطلعها: يا علي شب النار يا علي شبه لا مال في مشمرخات الهضابي باغ الى شبيتها واصلهبه قلط ثلاثٍ لونهن كالغرابي وعند المقارنة بين الروايات يظهر لنا مدى التغير الذي نتج عن تعدد الروايات حيث نجد ان البيت الثاني برواية العامري وموافقة مبارك: بالكي اللى شبيته واصلى هبه تجلب عليك سراة ليلٍ غيابي فبغض النظر عن ترتيب البيت داخل النص لم يرد صدر البيت عند الربيعي أو الفهيد بل جاء لديهما كما يلي: (ثمٍ،باغٍ) إلى شبيتها ثم قبه)،واختلف العجز في تركيبه عنهما ثم اختلف بين الربيعي والفهيد في كلمة(تدعي،تجلب) في حين نجد مجاراة راعي قصر العشروات في صدر البيت الثاني(باغٍ إلى شبيتها واصلهبه)تجمع بين ثلاث الروايات وهنا نتساءل لمن هذا الشطر فخلط الرواة هنا واضح ،ولو أننا تطرقنا في مقارنتنا لجميع أبيات النص لم يكفينا مقالا واحداً ولكن هذه عينة من تأثير الرواة على النص ويرجح لدي أن الرواية الأقرب للصحة هو ما جاء عند الربيعي حيث التسلسل في سياق النص واضح بينما عند الفهيد نجد النص مرتبك نتيجة التقديم والتأخير بين الأبيات أما النص عند العامري فيظهر عليه النقص وإدخال بعض الأبيات في بعض مثل عجز البيت الثاني وعجز البيت الرابع مع أنه والرواة الذين نقل عنهم في زمن ظهور النص.(لعل في قادم الأيام نخصص مقالاً عن النص نتوسع فيه بالمقارنة بين الروايات) الهوامش: 1- يقول مبارك البسام في إيضاحه للعامري «فقول سيادتكم (الرساب) غرضه (الركاب) أي الهجن وهذا المخرج عندهم مألوف مع انه يخالف المخارج المعلومة..». وأقول: إن (الركاب) كتبها العامري (الرساب) وفقاً للسماع ولكنها لا تقلب الكاف سيناً وإنما يكون مخرجها بين التاء والسين وهي لهجة في لغة العرب قديمة اسمها (الكسكسة).