لم تقف الإعاقة عائقاً أمام مسيرة التعليم والتأهيل والتطوير وبذل الجهد والمال لمنح ذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم الإنسانية المشروعة، وزرع الأمل فيهم نحو مستقبل زاهر، وذلك من منطلق إنساني أكَّدته تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف وتوجيهات قيادتنا الحكيمة، حيث جعلت هذا المبدأ عنواناً عريضاً لسياستها العادلة نحو جميع أبناء هذا الوطن وصورة مشرفة تعكس أواصر التكاتف الاجتماعي، الذي يعيشه مجتمعنا بكل فئاته. تفاعل اجتماعي ولعل ما وجدناه في جمعية الأطفال المعوقين بمنطقة عسير اثناء الوقوف على مستوى الخدمات التي تقدمها الجمعية كنموذج للفروع الأخرى، التي يرأس مجلس إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، كان دليلاً على هذا التكاتف والتفاعل الاجتماعي والإنسانية التي يحملها كل مسؤول ومواطن على أرض هذا الوطن، حيث أمضينا يوماً كاملاً وسط أروقة الجمعية، واطلعنا على الدور والأهداف والخدمات والإجراءات التي تتخذ في التعامل مع فئة عمرية تحتاج إلى رعاية خاصة ومهارة متقنة، إذ تُعدُّ هذه الجمعية أكبر جمعية خيرية في الشرق الأوسط أكملت (40) عاماً منذ تأسيسها. وقفنا في البداية على الدور الذي تؤديه الجمعية في هذا الجانب، في الوقت الذي لم نحدد فيه سلفاً موعد هذه الزيارة، وذلك لما تتطلبه هذه المهمة الإعلامية –أحياناً- من الوقوف على الحقائق دون أيّ تنسيق مُسبق، وهذا ما جعلنا نرى بعين الحقيقة جانباً من الجهود الكبيرة المؤداة بأمانة لخدمة هذه الفئة الغالية، ممَّن لا يستطيعون في كثير من الأحيان التعبير عما يدور حولهم أو الشكوى لأقرب الناس من أيّ ضرر قد يلحق بهم. رعاية خاصة ووجدنا خلال جولتنا أنَّ هناك اهتماما كبيرا ورعاية خاصة، ابتداءً من الفصول التعليمية، التي كانت محطتنا الأولى في الجمعية يرافقنا د. صالح الحمادي - مدير جمعية الأطفال المعوقين بمنطقة عسير - حيث وجدنا داخل الفصول الدراسية عددا من المعلمات اللاتي يحملن شهادات جامعية متخصصة في التربية الخاصة، وكل منهنَّ تؤدي دورها التعليمي بحماس منقطع النظير، وسط أجواء يعمها الهدوء في فصول مجهزة بمختلف الوسائل التعليمية من طاولات مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة وشاشات تعليمية ومناهج خاصة ونماذج تعبيرية ومراسم فنية، حيث تقدم المعلمات المناهج التعليمية الخاصة للأطفال المعوقين بإعاقة جسدية مركبة والإعاقة الذهنية. وكان أول حديث يجمعنا مع هذه الفئة داخل الفصول التعليمية بالطفل عبدالعزيز القحطاني - مُصاب بإعاقة ذهنية وجسدية، ولم يتجاوز عمره (10) أعوام - والذي بدا عليه التأهيل المتقن، حيث رحب بوجودنا وعرّفنا باسمه وعمره، كما أجاب عن الأسئلة المستوحاة من المنهج التعليمي المُقدَّم له ولزملائه التي وجهتها له، وهو ما يعكس مدى استفادته من الخدمات التعليمية المقدمة. مناهج متخصصة من جانبه قال د. صالح الحمادي – مدير الجمعية -: إنَّ أطفال الجمعية يتلقون برنامجاً تربوياً تعليمياً داخل الجمعية، التي تضم ثلاث مراحل تعليمية، وهي مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة التمهيدي والمرحلة الابتدائية، إلى جانب الأنشطة المساندة المُتمثلة في القرآن الكريم ومعمل الحاسب الآلي والورشة الفنية ومركز المصادر التعليمية، مُضيفاً أنَّ الطلاب يتلقون تعليمهم من خلال مناهج تعليمية متخصصة تتناسب مع حجم ونوعية الإعاقة وسن الطفل. وأشار الى أنَّ ذلك يتم بالتعاون مع وزارة التعليم؛ الأمر الذي يمكّن كثيرا من الأطفال من التأهل للالتحاق بمدارس التعليم العام بعد استكمال برامج التأهيل. خدمات علاجية وانتقلنا بعدها إلى العيادات الطبية، التي تقدم خدماتها العلاجية، حيث بين د. الحمادي أنَّ برنامج الخدمات العلاجية يبدأ بقسم الاستقبال، قبل أن يُحال الطفل إلى العيادات الاستشارية، وذلك لإجراء الفحص العام والتشخيص من قبل فريق التقييم، وبعد تقييم حالة الطفل يتم وضع البرنامج التأهيلي لكل حالة على حدة، حيث تتكامل جهود عدد من الوحدات في تنفيذ برامج العلاج والتأهيل، وهي: العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي وعيادة الأسنان وعيادات علاج عيوب النطق وعلل الكلام. وأوضح أنَّ من هذه الوحدات أيضاً وحدة الخدمة الاجتماعية ووحدة سكن الأطفال وورشة الجبائر والأجهزة المساعدة والمسبح الطبي، مُضيفاً أنَّ هناك زيارات لعدد من الأطباء الاستشاريين، ومنهم د. منصور عطيف - استشاري مخ وأعصاب -، ود. عائض الشهراني - استشاري عظام -، حيث تستقبل العيادات الأطفال المعوقين بمرافقه أولياء أمورهم لفحصهم والاطمئنان على صحتهم وإعطائهم التوصيات الطبية اللازمة. نقلة نوعية وأكد د. الحمادي أنَّ الجمعية تُعدّ منظومة من برامج الرعاية والعلاج والتعليم والتأهيل والتدريب والتوعية المجانية، إلى جانب الخدمات الاجتماعية والاستشارية المُقدَّمة للأطفال المعوقين وذويهم، مبيِّناً أنَّ الجمعية تضم أيضاً الوحدة النفسية، للعناية بالطفل وتقييم قدراته العقلية عن طريق استخدام مقاييس الذكاء، من أجل تحديد عمره العقلي، الأمر الذي يُمكِّن المتعاملين مع الطفل، سواءً الأهل أو المعلمة من وضع أهداف تساعد على تطوير قدراته وتأهيله لتجاوز ظروف إعاقته والتعامل مع الآخرين. ولفت إلى أنَّ الجمعية جمعية خيرية تعتمد على التبرعات كمصدر رئيس لتمويل نفقات تشغيل مراكزها وخدماتها المجانية، مُضيفاً أنَّها تسعى لإحداث نقلة نوعية جديدة في برنامج تنمية الموارد كمؤسسة خيرية تتطلع إلى مساندة ما تقدمه من خدمات مجانية متخصصة لهذه الفئة الغالية من الأبناء، حيث تبنَّت إنشاء مشروع خيري استثماري يهدف إلى إيجاد مصادر تمويل ثابتة ودائمة تسهم في دعم نفقات تشغيل المركز، إذ تصل إلى نحو خمسة ملايين ريال سنوياً. شروط القبول وأشار د. الحمادي إلى أنَّ الجمعية استندت في ذلك إلى فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ - المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء - بأنَّ المشاركة في إنشاء مشروع خيري لصالح الجمعية صدقة جارية وعمل من أعمال الخير والبر، حيث سينفق ريعه على رعاية الأطفال المعوقين، موضحاً أنَّ القبول بمراكز الجمعية يتطلَّب أن يكون لدى الطفل إعاقة جسدية مركبة أساسية، بناءً على تشخيص استشاري الأطفال. وأضاف أنَّ من شروط القبول أيضاً، أن يكون الطفل قادراً على الإفادة من البرنامج التعليمي، وألاَّ تزيد إعاقته العقلية على المستوى البسيط؛ لكي يستفيد من البرامج التعليمية، على ألاَّ يزيد عمره على (12) عاماً، وأن تكون قواه البصرية والسمعية على درجة تُمكّنه من الإفادة من البرنامج التعليمي، وأن يكون سعودي الجنسية أو سعودي الأم، وأن يكون مقيماً في المدينة التي يوجد فيها الفرع، مُشيراً إلى أنَّه لا يتمُّ قبول الأطفال المكفوفين أو الصم - صمم كامل - أو البكم. أنشطة الجمعية وبيَّن د. الحمادي أنَّ الجمعية سعت للمشاركة في البرامج والفعاليات المقامة في المنطقة منذ البدايات، كنوع من التعريف بها وبأنشطتها، مُضيفاً أنَّها نظمت عددا من الاحتفالات الجماعية بمراكز تسوق معروفة، حيث تمَّ خلالها توزيع عدد عشرة آلاف "رسالة لك غير خاصة" تضمنت عبارات ترحيبية بزوار المنطقة والتعريف بالجمعية، موضحاً أنَّ الرسالة الأولى كانت لأمير المنطقة، مُشيراً إلى أنَّه جرى توزيعها على كافة الجهات الحكومية والأماكن السياحية. وأكَّد أنَّ الفكرة اعتمدت لتكون ضمن برامج الجمعية الدائمة، مُضيفاً أنَّ الجمعية نظَّمت ملتقى للجمعيات الخيرية بمقرها أسفر عن عدة توصيات مهمة، كما شهدت تنظيم برنامج توظيف المعوقين والمعوقات بالمركز، حيث أسفر عن توظيف أكثر من (80) من المعوقين والمعوقات في العديد من الشركات والمؤسسات بالمنطقة، إلى جانب تنظيم حفل ترفيهي بأحد المجمعات التجارية لكافة الجهات المعنية بالمعوقين في المنطقة. اتفاقيات تعاون وأضاف د. الحمادي أنَّه جرى أيضاً المشاركة في العديد من المناسبات، كما استقبل المركز عددا كبيرا من الشخصيات المجتمعية والجهات الحكومية والخاصة، حيث اطلعوا على الخدمات المقدمة للأطفال، موضحاً أنَّه سبق أن نظم الفرع مسابقة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين في دورتها ال (18)، وذلك برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد - أمير منطقة عسير -، وبحضور صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز - رئيس مجلس إدارة الجمعية -، لافتاً إلى أنَّ الجمعية سعت أيضاً إلى توقيع اتفاقيات تعاون بناءة مع العديد من الجهات في المنطقة، وهو ما أسهم إلى حد كبير في خدمة المركز، إلى جانب عقد اتفاقيات تطوعية مع بعض الجهات والأفراد. تجهيز القاعات الدراسية بمنظومة من الوسائل التعليمية المتطورة يتلقى الطلاب تعليمهم على أيدي معلمات متخصصات ومؤهلات عدسة - فهد الفيفي يحظى الأطفال باهتمام كبير ورعاية خاصة من جميع العاملين بالجمعية د. صالح الحمادي متحدثاً للزميل سلطان الأحمري