سيعتمد مجتمعنا على المساعدة المنزلية، والسائق؟ متى نقول (كفى)؟ ألم نلاحظ الأخطار والسلبيات الناتجة عن هذه الظاهرة الاجتماعية؟ الاتكالية، الكسل، الابتعاد عن العائلة، العبء المالي، تربية الأطفال، كل هذه الجوانب ذات علاقة مباشرة بموضوع العاملة المنزلية والسائق. جوانب تتضمن الكثير من السلبيات الكافية لاتخاذ قرار يعيد البيت إلى أهله. إنني أعاني مثل غيري من وجود العمالة المنزلية. وأجد أن بعض العادات تسيرنا حتى وإن كانت عادات ضارة بالفرد والمجتمع. الناس يناقشون مشكلات الاستقدام من زاوية إدارية ويتذمرون من الإجراءات والأسعار إن الفشل التربوي داخل الأسرة الصغيرة تمتد آثاره إلى المجتمع. وقد تأتي منتجات الفشل التربوي بأشكال مختلفة منها السلبية والانسحاب، أو الهروب إلى عالم الظلام والفساد، أو الانقياد للعصابات الإجرامية أو المنظمات الإرهابية والاستغلال لكنهم لا يناقشون قضية الاستقدام نفسها من حيث المبدأ. لا يطرحون الأسئلة المهمة ومنها: هل الاستقدام ضروري لكل بيت؟ ماهي الآثار السلبية لوجود العاملة المنزلية مادياً وتربوياً؟ ماهي المهام التي يقوم بها الشباب والشابات في البيوت؟ لماذا تعيش العائلات السعودية في الخارج بدون عمالة منزلية؟ متى يعتمد أفراد العائلة على أنفسهم.؟ إلى متى يستمر الاستقدام؟ هل جاءت العاملة المنزلية لتربية الأطفال أم للمساعدة في أعمال المنزل؟ ماذا لو صدر قرار بوقف استقدام العمالة المنزلية والسائقين إلا لأصحاب الحاجة القصوى مثل كبار السن والمعاقين. هل هي نهاية العالم؟ أمامنا مشكلة ذات جوانب تربوية واجتماعية ومادية وأمنية. بدأت المشكلة كحاجة ثم تحولت عند كثيرين إلى ترف ومظاهر، ثم أصبحت عادة يشعر صاحبها أنه لا يستطيع أن يعيش بدونها. لكنه عندما يعيش في الخارج يعتمد على نفسه ويقوم بكافة الأعمال المنزلية بما فيها الطبخ والتنظيف. الكلام السابق سوف يعرضني للهجوم والسخرية، سيقال إنني أدّعي المثالية، سيطلب مني أن أبدأ بنفسي، سيقال إنني جاهل ولا أفهم ظروف الناس وحاجة بعض الأسر الماسة إلى العاملة والسائق. وسوف أرحب بكل ما يقال وما أطرحه رأي شخصي وقد أكون على خطأ. وأعلم أن ظروف البعض تتطلب وجود العاملة المنزلية والسائق. ولكن كيف تحولت (بعض) إلى (الكل)؟ وكيف أصبح الشباب والشابات لا يشاركون ولا يجيدون المشاركة في أمور البيت. تتزوج البنت وهي لا تعرف حتى كيف تعد الشاي! ويتزوج الشاب وهو لا يعرف كيف يشتري احتياجات البيت! السائق لا يقوم بقيادة السيارة فقط. تلك إحدى مهامه فهو في واقع الأمر يقوم بمهام متعددة منها السباكة والأعمال الكهربائية، وشراء احتياجات البيت، وإصلاح السيارات، ولم يتبق غير حل الواجبات المدرسية. مع ملاحظة أن بعض البيوت لديهم أبناء يمتلكون السيارات ومع ذلك لا يستغنون عن السائق! - قضية أو مرض المخدرات هي خطر يهدد سلامة الأفراد والمجتمعات. هي قضية أمنية وتربوية. وزارة الداخلية تقوم بجهود قوية ومتواصلة في مكافحة هذا المرض وتحقق الإنجازات الأمنية الاستباقية ضد جرائم المخدرات، وإيقافها قبل انتشار سمومها التي تهدد سلامة المجتمع وتهدد عقول أبنائه وصحتهم. وما يقال عن المخدرات يمكن أن يقال عن التطرف الفكري الذي يتحول إلى إرهاب، فهو خطر يهدد الجميع وتشترك فيه عوامل تربوية وفكرية وأمنية. على المستوى التربوي وهو جانب وقائي مهم يتطلب مشاركة أولياء الأمور والمربين والمصلحين الاجتماعيين، والمعلمين، ومديري المدارس والجامعات. هذا الجانب التربوي يحتاج الى تفعيل ليس عن طريق المحاضرات والأساليب التقليدية وإنما من خلال أساليب عملية. لو تطرقنا إلى دور الآباء والأمهات على سبيل المثال فإن العلاقة الإيجابية مع الأبناء هي من أهم عوامل الوقاية من المخدرات والفكر الإرهابي وغيرها من الأخطار. ماهي العلاقة الإيجابية؟ إنها تلك العلاقة التي تقوم على الثقة والاحترام والحوار ومبدأ القدوة. بعض الآباء والأمهات يفشلون في تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم وأحياناً يفعلون العكس فيجعلون الأبناء يعتمدون عليهم في كل شؤونهم. يفشلون أيضاً في الحوار بسبب عدم قدرتهم على التخلي عن عادة إملاء الأوامر وإملاء الآراء. بطبيعة الحال مطلوب من الابن احترام أوامر والده ووالدته، أما الآراء فمن المهم في بناء الشخصية تعويد الطفل على التفكير المستقل والثقة بالنفس وإبداء الآراء التي لا تتفق بالضرورة مع آراء والديه. العلاقة الإيجابية بين أفراد الأسرة من المرجح أنها ستجعل الأسرة متقاربة يسودها الحب والاحترام والتعاون. الآباء والأمهات يقومون بدور قيادي، هم القدوة في بناء هذه العلاقة. إن الحب لا يعني إشعار الأبناء أن بإمكانهم الحصول على أي شيء بسهولة. هذا خطأ تربوي له نتائج ضاره في المستقبل على الفرد والمجتمع. - الآباء والأمهات والمعلمون هم القدوة أيضاً في الدين وفي بناء الاتجاهات الإيجابية، هم القدوة في التعامل مع الآخرين، في احترام الأنظمة والقوانين، في بر الوالدين، في تقدير العمل، في نبذ التعصب والعنصرية، في الحوار، في التعاون والمشاركة في الأعمال الإنسانية والتطوعية. عندما نسمع أطفالاً يرددون ألفاظاً غير لائقة، أو أفكاراً عنصرية فلا بد أن نرجع إلى الأسباب التربوية. التعليم لا يكتمل بدون أخلاق، والمعرفة لا قيمة لها بدون تطبيق. آباؤنا وأجدادنا كان تعليمهم محدوداً لكنهم نقلوا إلينا بمبدأ القدوة الكثير من الأخلاقيات التي كانوا يمارسونها أمامنا أكثر مما يتحدثون عنها. ومنها على سبيل المثال حب العمل وعدم تطبيق قانون العيب على الأعمال التي يمارسونها طالما أنها أعمال شريفة. - لا يوجد مجتمع مثالي. الخروج على القانون والتصرفات غير الأخلاقية موجودة في كل مكان. لدينا مشكلاتنا مثلما لدى الآخرين. ومن المعروف أن أولى خطوات حل المشكلات هي الاعتراف بوجود المشكلة. وسائل التواصل الاجتماعي لها سلبيات وإيجابيات. ومن إيجابياتها أنها كشفت الغطاء عن مشكلات كنا نتحاشى الحديث عنها. الحوارات التي تتحول إلى شتائم، الاتهامات التي توزع على خلق الله، الإساءات والشائعات، التفاخر القبلي والمناطقي، النقد الذي يمارس السخرية والهجوم الشخصي. كل ما سبق وغيره هي قضايا تربوية. هذا يعني أن التعامل معها يكون في مسارين. مسار قانوني يطبق النظام على المخالفين. ومسار تربوي يبدأ بمراجعة أساليبنا التربوية في بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا وجامعاتنا ومنابرنا الثقافية والإعلامية. وأخيراً فإن مجتمعنا حافل بالصور التربوية الجميلة. مجتمع مسلم يعلي مكانة العلم والتربية والعمل والعدل والأمانة والتكافل وحقوق الإنسان واحترام الوالدين. هذه هي القيم الإسلامية العظيمة التي نقصر أحياناً في تطبيقها فتكون النتيجة أخطاء ومشكلات قد تكبر إذا لم نتعامل معها بجدية ومصارحة ذاتية. إن تلك القضايا التربوية تكتسب أهميتها من علاقتها المباشرة بحياة الناس وتأثيراتها الأمنية والاجتماعية. إن الفشل التربوي داخل الأسرة الصغيرة تمتد آثاره إلى المجتمع. وقد تأتي منتجات الفشل التربوي بأشكال مختلفة منها السلبية والانسحاب، أو الهروب إلى عالم الظلام والفساد، أو الانقياد للعصابات الإجرامية أو المنظمات الإرهابية. من جانب آخر فإن الفشل التربوي الذي يتسبب فيه وجود السائق والعاملة المنزلية قد يكون من نتائجه الفشل الدراسي والاتكالية والاهتمام بالمظاهر والتذمر من كل شيء، والميل إلى الأعمال المريحة، ونشر الإحباط في كل الطرق. من جانب آخر مجتمعنا حافل بنجاحات متميزة وإنجازات رائعة يحققها إنسان هذا الوطن بمختلف الأعمار ومواقع العمل وميادين المبادرات والأعمال التطوعية والمسؤولية لاجتماعية. إن ما طرحناه في هذا المقال لا يهدف إلى التعميم بل التنبيه إلى بعض الممارسات والعادات التي قد تشوه الصورة العامة الجميلة.