إن ما تطالب به المرأة في بلادنا لا يعدو أمرين اثنين هما الاعتراف اعترافا كاملا بالحقوق التي منحها لها الدين وعدم سلبها إياها كحقها في الميراث وفي النفقة وفي رعاية أبنائها عندما تطلق وعدم حبسها عن الزواج وتعليقها من قبل زوجها، وغير ذلك كثير من الحقوق التي تسلب عُقد في البحرين في الفترة من 7- 8 نوفمبر المؤتمر الموازي الثاني لمنتدى المستقبل وقد وضعت للمؤتمر عدة محاور : المحور الأول التنمية المستدامة، والمحور الثاني الإصلاح والديموقراطية وحقوق الإنسان والطفل، والمحور الثالث محور المرأة، والمحور الرابع تمكين الشباب، والمحور الخامس نحو منطقة آمنة، والمحور السادس العلاقة بين مجموعة دول الثماني ودول المنطقة . وقد وجهت لي الدعوة لحضور المؤتمر وكانت مشاركتي في محور المرأة الذي تضمن قضيتين على جانب كبير من الأهمية، القضية الأولى مناهضة التمييز ضد المرأة، والقضية الثانية التمكين السياسي للمرأة ! وقد أصدر المشاركون والمشاركات في هذا المحور عدداً من التوصيات المتعلقة بالمرأة أدرجت ضمن البيان الختامي للمؤتمر الذي رُفعت توصياته إلى الاجتماع الوزاري الثاني لوزراء خارجية الدول المشاركة في منتدى المستقبل التي من بينها المملكة وذلك في البحرين من 11- 12 نوفمبر، وكان من أهم التوصيات المتعلقة بالمرأة ما يلي : 1- حث الدول العربية التي لم تصادق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بالمصادقة عليها، وكذلك المصادقة على نظام روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية وكافة الاتفاقات المتعلقة بحقوق الإنسان. 2- رفع التحفظات العربية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل والانضمام للبروتوكول الاختياري. 3- تعديل دساتير الدول العربية بما يضمن حقوقاً متساوية بين جميع المواطنين بلا قيد أو شرط ومزيد اًمن حرية العمل المدني . 4- تعديل كافة التشريعات بما يضمن المساواة التامة بين جميع المواطنين وخاصة المتعلق منها بالأسرة. 5- حث الحكومات على إنشاء مراكز إيواء وحماية للنساء اللاتي يتعرضن للعنف ودعم المنظمات النسائية العاملة في هذا المجال. 6- اعتماد نظام تخصيص الحصص (الكوتا) بما لا يقل عن 30 في السلطات المختلفة من تشريعية وقضائية وتنفيذية وفي مؤسسات المجتمع المدني وجعل هذا مُقراً على مستوى الدساتير. 7- تخصيص ميزانيات حكومية لدعم مؤسسات المجتمع المدني وبخاصة المنظمات النسائية. 8- اتخاذ التدابير اللازمة لتعديل ثقافة التمييز ضد المرأة وخاصة من خلال صورتها في مناهج التعليم وفي الإعلام والدراما. 9- ضمان مشاركة النساء في إعداد مشاريع التنمية وصياغتها وبخاصة مشاريع التنمية الريفية. 10- تبني خطاب ديني إعلامي مستنير يدعم مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين . 11- إنشاء مراصد وطنية وإقليمية لمراقبة تنفيذ التشريعات والخطط التنموية والميزانيات والسياسات من زاوية مساواة النوع الاجتماعي. 12- دعم مؤسسات الإقراض النسوي لإيجاد فرص استثمارية للنساء. 13- رفع الميزانيات الحكومية المخصصة للطفولة والأمومة والصحة الإنجابية 14- إقرار التعليم الإلزامي والقضاء على أمية المرأة في جميع أشكالها أبجديةً وقانونية وسياسية وثقافية واجتماعية . 15- إصلاح نظام القضاء على أسس عصرية وديموقراطية بما يضمن المساواة أمام القانون وعدم إعمال القاضي لرؤيته الخاصة في قضايا الأسرة. 16 - التمكين السياسي للنساء بانتهاج سياسات اجتماعية واقتصادية توفر العدالة والرعاية الاجتماعية من خلال مؤسسات حكومية تستأصل الفقر والتهميش، وسياسة تعليمية وإعلامية تبتعد عن الصورة النمطية للمرأة كما تقوم على المساواة واحترام الكرامة الإنسانية . لقد وقفت كثيرا عند هذا الخطاب الذي صاغه الحاضرون والحاضرات ومعظمهم من العاملين في الشأن الاجتماعي والأسري وجمعيات حقوق الإنسان وجمعيات النفع العام والمنظمات الأهلية في البلاد العربية ودول غرب آسيا . وهالني حجم المطالب وعلو سقفها الذي يبدو أمامه خطاب المرأة في بلادنا جد بسيط ومتواضع بل إن معظم مطالبه تساق على استحياء إن لم تأخذ شكل الاستجداء ! وجدتني بين خطابين، خطاب ليبرالي يقوم على صوغه نساء ورجال يؤمنون بالمرأة إنسانا كامل الأهلية، وخطاب إقصائي متهالك يحرم المرأة حقوقها ويقلل من أهليتها وإنسانيتها لا تملك المرأة إزاءه سوى المطالبة بالحد الأدنى من الحقوق التي سلبت إياها تحت مظلة العادات والتقاليد التي تستمد مشروعيتها من التلبس بلباس الإسلام والاجتراء على النصوص وبترها من سياقها لتناسب الخطاب الذي صار خطابا متوحشا لما فيه من حمولات تتنافى وأبسط معاني الإنسانية . إن ما تطالب به المرأة في بلادنا لا يعدو أمرين اثنين هما الاعتراف اعترافا كاملا بالحقوق التي منحها لها الدين وعدم سلبها إياها كحقها في الميراث وفي النفقة وفي رعاية أبنائها عندما تطلق وعدم حبسها عن الزواج وتعليقها من قبل زوجها، وغير ذلك كثير من الحقوق التي تسلب من المرأة ويضيع عمرها في المطالبة بها إن كانت ممن يتجرأن على المطالبة بالحقوق ومقاضاة من ظلمها، والأمر الثاني تصحيح النظرة الخاطئة عن المرأة الواردة في بعض النصوص سواء ما وجد منها في كتب التراث أو ما وجد في المناهج الدراسية . ولا ريب أن هذين الأمرين لو تمت معالجتهما على نحو صارم لقضي على كثير من معاناة المرأة في بلادنا . ويكاد يجمع كثيرون على أن بعضاً من كتب التراث الإسلامي تعج بكثير من الأفكار والنصوص السلبية التي ليس لها سند من قرآن أو سنة كالذي ورد في باب تكفين الميت في أحد الكتب التراثية (فإن لم يكن له أي للميت مال فكفنه ومؤونة تجهيزه على من تلزمه نفقته ؛ لأن ذلك يلزمه حال الحياة فكذا بعد الموت، إلا الزوج لا يلزمه كفن امرأته ولو غنياً لأن الكسوة وجبت عليه بالزوجية والتمكن من الاستمتاع وقد انقطع ذلك بالموت) ! فأي وحشية هذه وأي تجرد من كل معاني الرحمة والإنسانية والرفق جعل ذلك المؤلف يقول هذا الكلام أو لا يتعارض ما قاله على نحو صارخ مع تعاليم القرآن وقوله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (21 الروم) ! فأين المودة والرحمة؟ وهل تنقطعان بانقطاع استمتاع الرجل بزوجته؟ بل أي تشويه للإسلام وتعاليمه وقيمه في هذا الذي نقرأه ؟ وما الذي انحرف بمفاهيم الإسلام فجعل علاقة الرجل بزوجته علاقة مادية قائمة على المصلحة فإذا انتفت المصلحة انتفى معها كل ما يتوجب على الرجل تجاه زوجته وكل ما يربطهما من علاقات قائمة على المودة والرحمة؟ ولا يقل سوءاً عمّا سبق ما جاء في الكتاب نفسه( ولا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب إذا مرضت، لأن ذلك ليس لحاجتها الضرورية المعتادة، وكذلك يلزم ثمن طبيب وحناء وخضاب ونحوه من أراد منها تزيناً أو قطع رائحة كريهة) هل رأيتم قسوة أبلغ من تلك؟ وهل يعد دواء المرأة ترفاً وكذا مرضها لأن المرض طارئ وليس أمرأً معتاداً، وبما أنه كذلك فلا يلزم الزوج إحضار طبيب وشراء علاج ... أما إذا رأى الرجل ضرورة ذلك لغرض يريد نيله منها فإنه يلزمه! وأظن أن ما في النص من توحش يفوق أي قدرة على التعليق . وفي باب عشرة النساء (وله منعها أي منع زوجته من الخروج من منزله ولو لزيارة أبويها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما) كيف يبيح للرجل أن يمنع زوجته من أداء حق والديها وهو الأمر الذي أكد عليه القرآن الكريم حتى مع الأبوين المشركين بقوله تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً} (15 لقمان) أو ليس من الصحبة في الدنيا برهما والإحسان إليهما وزيارتهما وعيادتهما إذا مرضا وحضور جنازة أحدهما أو كليهما ؟ والغريب أنه يعود ويخالف ما ذكره سابقاً بقوله (ويحرم عليها الخروج بلا إذنه لغير ضرورة ويستحب إذنه إن أذن الزوج لها في الخروج أن تمرّض محرمها كأخيها وعمها أو لتعوده وتشهد جنازته لما في ذلك من صلة الرحم ...وليس له منعها من زيارتهما ..) ولا تعليق على هذا سوى إنه درجة عالية من درجات الهذيان إذ كيف يبيح لزوجها منعها من أداء حق والديها عليها ثم يعود ويؤكد على حق محارمها في زيارتهم وتمريضهم وشهود جنازتهم لما في ذلك من صلة للرحم !! وجاء في كتاب تراثي آخر (إياك ومشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب أبقى عليهن) وقول آخر(لاتدع أم صبيك تضربه فإنه أعقل منها وإن كانت أسن منه). أما في بعض المناهج الدراسية فإنه يجرى التعامل مع بعض الأمور الدينية كتعدد الزوجات وكأنه فرض أو سنة ينبغي فعلها، ويرمى كل من اعترض عليها بالخروج عن حياض الإسلام مما يجعل المرأة تستسلم لهذا الأمر اعتقاداً منها أن اعتراضها على زوجها المعدد سيوقعها في الإثم، فقد جاء في كتاب التربية الوطنية للصف الثالث ثانوي علمي في معرض الحديث عن أخطار البث المباشر (الفضائي) ص 85، الأثر الاجتماعي منه : تأخير الزواج وتفشي الطلاق ومحاربة تعدد الزوجات ! وهذه النظرة إلى التعدد وجعله كالفريضة موجودة بكثرة في بلادنا وقد أكدت عليها بعض الكتب والمطويات التي توزع على الشباب فقد ورد في كتاب لمؤلف مغمور ينصح فيه الشباب المقبلين على الزواج (إن من عوامل استعلاء بعض النساء على أزواجهن ظاهرة الالتزام بزوجة واحدة وعدم تعدد الزوجات، وصارطبيعيا في مجتمعنا المعاصر أن تستبعد فكرة التعدد ..) ! فمؤلف كتاب التربية الوطنية وواضع كتاب الزواج خالفا مخالفة صريحة القرآن الذي لم يجعل التعدد الأصل والإفراد الاستثناء، كما أنه شرعه لأسباب خاصة وقيده بالعدل، وأكد على عدم قدرة الرجال علي العدل .كما يروى أن فاطمة الزهراء كرهت أن يتزوج عليها علي بن أبي طالب ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ! إن ما يجري الآن هو جعل التعدد القاعدة وعدمه الاستثناء، وأن الرجال الذين لم يعددوا تخلوا عن سنة أو فرض خوفا من زوجاتهم وتأثرا بالغرب ! وليس لأن الاكتفاء بزوجة واحدة مظهر حضاري ورقي في مفهوم الأسرة لا سيما إذا كان الرجل غير محتاج إلى التعدد، وأن كثرة الزوجات والأطفال من الأمور التي ترهق كاهل الزوج وتربك قدرته على العناية بتربية جيش من الأطفال قد يربو على العشرين في بعض الحالات !!والذين يزينون فكرة التعدد يعتبرون أن الطفل يولد ويولد معه رزقه حتى لو كان أبوه متسولا ! ويتناسون أن القرآن الكريم قدم المال على البنين في قوله (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) . ولقد وصل هذا الخطاب المضاد للمرأة إلى الفضائيات فقد سمعت أحد مشائخ الفضائيات يفتي في شأن المرأة فيقول :إن اللام في اللغة في قوله تعالى {خلق لكم من أنفسكم أزواجاً} تفيد الملكية .. مما يعني أن المرأة ملك لزوجها بما دفعه فيها من مهر ! ولا يخفى على المتخصص أن وقوع اللام للملكية في هذه الآية محل خلاف بين النحاة مما يؤكد بطلان ما يزعمه ذلك المفتي، كما سمعت رأياً لمفتٍ آخر من شيوخ الفضائيات يقول فيه إن السفهاء في قوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} (5 النساء) يشمل النساء لأنهن سفيهات ولا يؤتمنّ على الأموال ! وهذا مخالف لما جاء في تفسير الجلالين حيث يقول إن المقصود بالسفهاء في الآية المبذرون من الرجال والنساء والصبيان . وحيث أنكر الشيخ الفضائي مسألة التبذير فإن ما قاله ليس له إلا تفسير واحد هو التلبس بثقافة التوحش التي تحرف النصوص المقدسة عن مراميها التي جاءت بها. وغني عن القول إن هذا الانحراف في النظر إلى المرأة لم يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولكنه حدث في عصور النكوص والتجمد حيث حصل تراجع كبير في نظرة الإسلام الراقية إلى المرأة مع تقادم الأيام، بل إن خط الانحراف في موضوع المرأة بدأ مبكرأ وقبل غيره من الأمور، فالعقلية القديمة المتحجرة التي تمجد الرجل وتقلل من شأن المرأة لم تستطع تحمل نظرة الإسلام للمرأة التي جعلت النساء شقائق الرجال . وفي هذا الإطار من الطبيعي أن نتساءل عن سر هذه النظرة العدائية للمرأة التي أصبحت ظاهرة تغلف كثيراً من الطروحات التي تتعلق بها، حتى انعكست على كثير مما يكتب ويؤلف من كتب تعليمية ومقالات ونشرات إرشادية، وهي امتداد لما ساد بين العرب والمسلمين في الماضي من اضطهاد للمرأة واحتقار لمنجزاتها، وفي هذا السياق تقول عائشة عبدالرحمن (إن مؤرخي العرب القدماء حرصوا على وضع المرأة ومنجزاتها وآثارها في منطقة الظل والسبب في ذلك هو أن حركة الجمع والتدوين التي بدأت في العصر الأموي وبلغت أوجها في العصر العباسي، قد تمت على أيدي رجال آمنوا بعقلية مجتمع كان قد حكم على المرأة بالوأد المعنوي بعد أن تم له عزلها عن الحياة العامة في سراديب الحريم ). لقد بات واضحاً أن كثيرين يسعون لشرعنة كل وسيلة تضع حداً للوجود الأنثوي في الحياة العامة مبررين ذلك بمبررات كثيرة، فهل يأتي يوم يتحرر فيه الرجال المسلمون من عقدة التفوق على المرأة ودونية مكانتها التي تسكن لا وعيهم، كي نستطيع أن نناضل جميعاً لإعادة صورة المرأة النقية التي جاء بها القرآن وأكدها الرسول الكريم في تعاملاته اليومية مع المرأة؟.