كلنا يقول متعجباً أو مندهشاً من مفاجأة مرور الزمن : يا سرع الأيام، لكننا لا نقولها إلا بمناسبة، إما تخرّج طالب في الجامعة نتذكر دخوله في المرحلة الابتدائية، أو مرور وقت ما كنا ندرك مضيه حتى مضى، أو طفل كبر وصار رجلا بعد غياب بيننا وبينه، أو نقول ذلك مع نهاية أيام السنة وانقضائها، حيث تطل علينا سنة جديدة، وهذه حالنا وحال من سبقنا فلسنا في هذا التعجب وحدنا. يقول الشاعر ماجد الشمري : الله يا سرع الليالي والايام راحت سنة من عمرنا مادرينا قبل امس أذكر توّنا بأول العام واليوم بالعام الجديد ابتدينا لاهين بالدنيا على حمر الانعام نضحك على الدنيا وتضحك علينا ناسين أن الخاتمة في متر خام تربت يدينا صدق تربت يدينا ياليت كلٍ يحسب حساب قدام ونحاسب انفسنا على ماجنينا خلونا نعمل ماتبقى من اعوام نرضي به الله لين يرضى علينا عام انصرم، وعام نبدأ في تصفح أوراقه، ننزع من التقويم ورقة ورقة، هي في الواقع من أعمارنا، قد نفرح باقتراب الزرع من الإثمار، والثمار من النضج كلما مرت الأيام، وقد نفرح باقتراب موعد صرف راتب، أو نهاية سنة تكون معها ترقية أو علاوة سنوية، وكل هذا لا بأس به، فترقب المستقبل والتفاؤل بإشراقاته مطلب يسود مجتمعنا والمجتمع الإنساني في حاضره وماضيه، ولكن قيمة الأيام والسنين كزمن هو في الواقع عمرنا الذي نعيشه في حياتنا ولا تعويض عنه لو فقد. الله ياسرع الليالي والايام .. راحت سنة من عمرنا ما درينا لقد كان الوقت من أجلّ ما يستثمره أهلنا في زمن مضى، وقد أوصونا بعدم التفريط في الأعمار، فكل الشعراء والحكماء أكدوا على استثمار الوقت والانتباه له، ولهذا حاربوا اللهو بكل أنواعه، كانوا يحرصون على الشباب بالذات فيراقبونهم في الليل والنهار، ويسندون لهم مهمات كثيرة تستغرق كل أوقاتهم لكي لا يجدوا وقت فراغ يشغلونه في ضرر، ومن تلك المراقبة أيضا رفض كل جديد يتجه بالشباب إلى الانشغال عن طاعة الله أو عن كسب الرزق والعمل النافع، لهذا تخوفوا من المستجدات كلها، ليس رفضا للتطور بل رفضهم من منطلق الخوف مما تحمله من قضم الوقت وضياعه، وقتل أوقات النفع والزمن فيما لا فائدة فيه، فالراديو مثلا لم يكن مرحبا به أول الأمر مع أنه يحمل الكثير من الأخبار والمواد ذات القيمة إلا أن برامجه يتخللها أغان وموسيقى وقشور مواد قد رأوها ضارة، وهم في غنى عنها في وقت يصارعون من أجل لقمة العيش، وهكذا نظروا للدراجة (السيكل ) على أنه يبعد الشباب عن مكان اجتماعهم فتصعب مراقبة الشباب حيث يبتعدون عن عيون أهلهم، فسموه (حصان ابليس) ومثله الكرة، فقد رأوها مشغلة للشباب والصغار عن صلاتهم وقد أخذتهم في طريق لا ينتفع أهلهم منهم في عمل زراعي ولا دراسة وكتابة وقراءة ولا تفرغ لقضاء حاجات أهلهم، كما أنها سميت لعبة، واللعبة لا تكون على مدار الساعة بل هي ترويح قليل ولكن الرياضة أخذت أكثر من وقتها فاستنكروها وبدأوا يقلقون منها لهذا السبب. لكنهم لم يرفضوا السيارة ولم يستنكروا وجودها ولا الساعة ولا مكائن ضخ المياه ولا وسائل الإضاءة... الخ فلديهم أهداف واضحة ورؤية متبصرة فالوقت لديهم مهم جدا. يقول الشاعر: ياصاحبي راحت سنين العمر طيش بين الهنا والضيق ساعه وساعه احدن همومه كنها عسكر الجيش واحدن يبدل بالسعادة متاعه واحدن يقضي اجازته بالمطاريش واحدن يقضيها بوسط الجماعه تجري بنا الايام والخاتمه ويش اما سواد الوجه ولا شعاعه والمقياس في انصرام السنين واضح، فليست سنة انصرمت كسنة قادمة فالعمر نقص وهذا يستلزم التفكير الضروري في كل شيء وتقويم كامل يشمل العمل والمكاسب والخسائر، شأننا في حساب أعمارنا شأن التدقيق في الميزانية فما النقود والأموال بأهم من سنوات العمر. تساؤلات كثيرة: ما الذي أنجزه الشخص لنفسه ليحقق الهدف الأسمى من وجوده والأعلى من بقائه، وحتى لا يكون يومه مثل أمسه ومستقبله مثل ماضيه؟ ونحن نعلم أن العقلاء يحاسبون أنفسهم، وكان أجدادنا يحسبون للأيام حسابها ويذكّرون الأجيال بما يفترض أن يفعلوه، ومن فرّط في أيامه كان للتفريط فيما دونها أولى وأشد، وحتما سيفاجأ بكل ما هو غير متوقع. يقول الشاعر منبها لنا: الشيب شفته في المرايه وصديت ما كنت أصدق ان ذا الشيب فيّه اثر الزمن يطوي رحاله ووليت وراحت سنين العمر ويش البقيه وسنين يا كم تهت فيها وتماديت ما بين سب وظلم والا قفيّه ويا كم تحملت المعاصي وجرّيت جريتها وامسين جر المطيّه وسعيت في الدنيا وكم صبت واخطيت واللي مضى عنا بيمضي عليّه ودارت بي الدنيا ولا يوم ونّيت وقضيتها ما بين شمسٍ وفيّه يا رب تغفر زلتي يوم زليت وانك تجنبني الزلل والخطيّه وإذا كان الوداع يأتي مع الرفاق وقت السفر، فهو أيضا يأتي مع وداع الأيام والسنين، فنحن نودع سنة ونستقبل أخرى.. يقول الشاعر أحمد العبدلي: أيام راحت بي وراحت على خير مرت على عمري مرور الثواني أيام كانت غير في ذمتي غير أحيت يباس عروق ذيك المحاني قبل الوداع وقبل طوي المشاوير ما كنت أحس بقيمته لو جفاني الراديو لم يكن مرحبا به لانهم يرونه مضيعه للوقت