نسمع بعض الأحيان عبارة ( يا سرع الأيام ) وخصوصا ممن انغمسوا في الحياة ومشاغلها وما يترتب على ذلك من انشغال عن لحظات التأمل والتدبر ومحاسبة النفس عن ما تقترفه من أخطاء . ومع هبوب رياح مغريات الحياة وملذاتها ينجرف البعض معها لتسير به مسافة طويلة معها دون أن يشعر أن هذه المسافة من أيام عمره المحدد ولو استطاع هذا المنجرف أن يضع محطات للتوقف والمحاسبة والتفتيش عن الأخطاء لأدرك أن توقفه هذا فيه فائدة عظيمة وأدرك أن الأيام تمر بزمنها الحقيقي عليه يقول الشاعر محمد السديري : ايامنا هي والليالي سريعه ومازان بالدنيا لزوم يشيني لابد من يوم نشوف الشنيعه ونتبع طريق اجدودنا الأوليني ومع مضي أيام العمر سريعة دون أن ندرك ثمن تلك الأيام وقيمتها وكأنها سيل من نقاط الماء عندما تتوالى سريعة وتسقط على الثرى حيث نهايتها ورغم هذا المشهد الذي يعلن انفراط حبات السبحة من أيام العمر إلا أن الهقوة تتزايد نحو الاستمرارية والبقاء وفي وجود جسم سليم ومعافى وشباب يتوقد حيوية يستمر سيل هذه القطرات السريع حتى تبدأ في مرحلة العد التنازلي عندها نصحو على وميض عدد من الشيب يلوح في العارض هنا نبدأ نشعر بنسمات خريف العمر ونجدد العهد مع الشباب ولكن يرفض التوقيع على العقد لعدم أهلية الطرف الآخر ومن هذه النقطة نتصافح ونودع هذا الراحل الجميل ونستقبل قادماً من الأفق غير مرغوب فيه عندها نتزفر بآهات مؤلمة : وما مضى الشباب بمسترد ولا يوم يمر بمستعاد ومن مكان التأملات والحسرة على ما فات وكثرة التفريط نعيد الحسابات ونغير مسارات عدة في حياتنا ونقدم تنازلات كنا نذود عن حياضها بقوة ونندفع متحمسين بطاقة الشباب الراحل لحمايتها وسريعا ما ننوخ ركابا مستسلمين لهذا القادم من حكم الزمن : شبنا وشابت من الدنيا شواربنا والعمر في نقص والأيام تزدادي ومع تساقط أوراق خريف العمر صفراء اللون نطمع في تجدد الأوراق ومشاهدة اللون الأخضر ولكن تناثر الأوراق يزيد: مضى لي خريف العمر في لذة الصبا امشي بجنات تجارى نهورها ومع استمرارية هذا المشهد المحزن ننظر في كل الاتجاهات نبحث عن شريك الألم وصديق العمر لنتأكد من مرور الزمن عليه وعن تشابه الحالة نطمئن بألم أن الحال من بعضه.وأننا لسنا وحيدين في موقع مرور الزمن وما يخلفه من تغيرات البعض من المحظوظين يزداد وقارا والبعض يزداد جزعا وخوفا من هذا الرحيل لأجمل أيام العمر وفي النهاية يصل الجميع الى نقطة النهاية : كل نفس اليا وقفت ركايبها على راس جرتها تموت