ما أن يرى الضوء مشروع وطني في أطواره الأولية، حتى تتلقفه أيدي الروتين والأدمغة الإدارية الخالية من الابتكار والإبداع، المنغرزة في البيروقراطية، وينسرب للتيه داخل دهاليز قطاع عام كبير ومترهل تتكدس فيه البطالة المقنعة بالكم على حساب الكيف. ومن هنا تأتي أهمية المشروع الوطني الذي أقره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، والذي (من أهدافه رفع كفاءة وجودة تنفيذ المشروعات العامة)، فحلم الدولة شاسع وطموحاتها مرتفعة ومعدلات الإنفاق على المشروعات الوطنية تعتبر من الأعلى في العالم، ولكن لايكفي أن نمتلك حلما.. بل كيف نديره ونصنع له الأجنحة التي تحلق به نحو صيغته المتكاملة المثالية. رفع كفاءة وجودة تنفيذ المشروعات العامة مشروع وطني طموح باتجاه الجودة النوعية، لذا هناك الكثير من المهام بانتظاره، والتي أرجو أن يكون على رأس أولوياته، النشاط الثقافي في الوطن! صناعة القرار حتما تملك توجها لدعم القطاع الثقافي المحلي، وقد وقعت المملكة في إطار اللجنة السعودية - المصرية على تعاون مشترك مصري - سعودي في جميع الجوانب الثقافية التي تنعكس إيجابا على نهضة وتحضر القطرين. لكن البنية التحتية لصناعة الثقافة لدينا تعاني من قصور يصل لمرحلة العوق يجعلها قاصرة عن أداء أدوارها الحيوية داخل دولة بحجم المملكة وأهميتها في المنطقة. باعتقادي أن أول مأزق تكابده الثقافة لدينا هو ربطها بالإعلام، فالإعلام لابد أن يفك قيده من أطر المؤسسة الحكومية ليحلق نحو مزيد من الاستقلال والخصخصة. بينما الثقافة هي الشعلة التي تقدح قنديل المدنية والتحضر، ونسغ الحيوية في عروق الوطن، والشعوب دوما تباهي بمثقفيها ومبدعيها، فهم واجهتها الحضارية التي تعكس حضورها وإضافتها للمسيرة الإنسانية . لكن مع الأسف على المستوى المحلي نجد أن الثقافة كقيمة ودور تعاني إهمالا وتغييبا وعدم وعي عميق بأهميتها في مناهضة خطاب التطرف والتوحش. غياب البنية التحتية القادرة على احتواء صناعة ثقافية ناجحة ومؤثرة، غياب الأكاديميات المتخصصة، غياب معاهد تدريب تحتوى المواهب وتطور القدرات، لاسيما أن الحقل التعليمي قاحل في هذا المجال. البني التحتية الثقافية القائمة الآن تأسست زمن المغفور له الأمير فيصل بن فهد، عندما كانت الثقافة مجرد إدارة في وزارة الشباب (الأندية الأدبية، جمعيات الثقافة والفنون، الأسابيع الثقافية.. وبعض النشاط في مجال النشر)، ولم يضف الكثير على ماتم قبل مايقارب الأربعين عاما . لذا تدخّل المشروع الوطني لرفع كفاءة وجودة تنفيذ المشروعات الثقافية العامة لتقصي أحوال الثقافة يعتبر مطلبا رئيسا الآن، ولعله يبحث هناك عن مسودة إستراتيجية ثقافية كبرى ناقشها وأقرها المثقفون، في وزارة د. إياد مدني ولكنها لم تر النور. وسيجد أيضا في ملفات الوزارة العديد من التوصيات المهملة لعدد من مؤتمرات الأدباء والمثقفين، وسيجد طلبات ملحة من العاملين في القطاع الثقافي لتأسيس (اقتصادات الثقافة) وفتح أبواب الاستثمار لتمنح دورة رأس المال للثقافة دماء جديدة وزخما وقدرة على المنافسة ليصبح دور وزارة الثقافة إشرافيا عبر سن الأنظمة والضوابط. وأيضا سيجد المشروع الوطني لرفع كفاءة وجودة تنفيذ المشروعات العامة المئات من المقالات التي سطرها المثقفون، أو من هم داخل الدوائر الثقافية، والتي تعكس مدى إحباطهم من البنى التحتية المهلهلة، من القيادات الإدارية العاجزة عن عكس طموحات المثقفين. سيجد المشروع الوطني الكثير من المعطل والمؤجل والمهمل.. داخل وزارة الثقافة .. هناك حتما ينتظره الكثير من العمل، يا ليته يبدأ من هناك. لمراسلة الكاتب: [email protected]