أيها السادة الكرام: قبل ما يقارب مئة وسبعين عاماً، كانت تهب ريح الأمراض الفتاكة، وتتفشى، وتبيد كل من في طريقها إلاّ من يكتب له الرب السلامة والحياة. والتكوناتُ التي تتحول إلى مراتع خصبة للسل والسعال الديكي والحصبة والجدري والطاعون بأشكاله كافتها هي تجمعات وبلدات ليس لديها رعاية صحية، ولا تطعيمات، ولا مشافي، فكان ما يحدث له تفسيره المنطقي، وله مناخه المعتاد لمثل هذه الكوارث الإنسانية.. والعجب العجاب كما يروى عن الآباء والأجداد أن هذه الكوارث الصحية الفادحة لا يتجاوز وجودها في تلك التكونات والبلدات الأشهر الأربعة، ثم تنكشف الغمة بعد أن تخلف وراءها في مَنْ تبقّى مناعة أزلية.. الآن أيها السادة الكرام لنا ما يقارب عامين ونحن نجالد القلق والخوف والعجب والسؤال الذي لا إجابة له مع الأخبار اليومية لتفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (كورونا) وأعجب ما في هذه الكارثة لدينا ثلاث نتائج أو محصلات: الأولى: انحصاره تقريباً في مدينة الرياض!. الثانية: انحصاره من الرياض في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية (مشفى الحرس الوطني)!! الثالثة: انحصار الوقاية من هذا المرض القاتل في غسل اليدين والنظافة الشخصية، ولبس الكمامات، والبعد عن أماكن الإصابات!!! ولنأخذ هذه العجائب والغرائب بشيء من التفصيل: فإذا كان هذا المرض المخيف القاتل بهذا المستوى من الخطورة وانعدام الوقاية والعلاج بالتركيبات العلمية والأمصال الطبية فكيف اختار المملكة العربية السعودية، ثم كيف تَقَصَّدَ مدينة الرياض بذاتها، ولماذا اختص مدينة الملك عبدالعزيز الطبية تحديداًً؟ بدأت وزارة الصحة في تغطية أخبار هذا الوباء بخبر أو خبرين في الأسبوع، ثم تطور الأمر إلى جملة من الأخبار المتوالية، وأخيراً تحولت المسألة إلى نشرة يومية يحمل الخبر الواحد منها جملة من حالات الإصابة والوفاة! الشيء الذي لا يتوقف العجب والاستغراب منه هو طريقة الوقاية من هذا الوباء القاتل.. تصوروا أيها الأعزاء:أن وباء مهلكاً مثل كورونا يكفي للوقاية منه أن يضع كل منا كمامة على فمه وأنفه، وأن يغسل يديه بشكل متواتر، وأن يبتعد عن المشافي والتجمعات! هل يعقل مثل هذا الكلام؟ وهل يمكن أن يستوعب أحد مثل هذا التسطيح والتبسيط لمسائل طبية معقدة فيها حياة أو موت؟ ، إذاً.. ما الذي يعقل؟ الذي يعقل ويمكن فهمه وتصديقه هو أن تعمل الجحهات الطبية والهيئات الصحية واللجان العلمية في وزارة الصحة ومشافيها على إيجاد العلاج الفعال، واللقاح اللازم لتفادي الإصابة بهذا المرض، وبخاصة أن المشافي العالمية والهيئات والجهات الطبية أصبحت فعلاً بيتاً واحداً، ويتم الاتصال والتواصل فيما بينها في غمضة عين!.. إذْ ليس من المعقول الصحي والإنساني أن يظل هذا الوباء كل هذه المدة يفتك بالمواطن بشكل يومي ونحن كل ما نقوم به هو أن نفاجئ الناس عبر الهواتف بحالات الإصابة والوفاة، ونذكرهم بغسل اليدين ووضع الكمامات وعدم مغادرة المنازل إلا عند الاضطرار!. لا مناص ولا مفر من الفكر والتفكير الصحي الجاد في مثل هذه الأحوال والظروف، وإلاّ فما المردود من هذه الميزانيات والأموال الطائلة التي تخصص وتمنح للقطاع الصحي وفي النهاية نعجز حتى عن جلب علاج وتوفير لقاح مضاد من أجل مواطن وضع ثقته كاملة في ربه ثم في من أوكلت إليه مهمة رعايته والعناية به..؟ أيها الأعزاء: لقد ظهر في الآونة الأخيرة جملة من الأمراض والحُمَّيات المؤذية غير أنها اختفت وتلاشت أمام نفحات الطب العلاجي والوقائي، فلماذا أقام كورونا كل هذه المدة دون علاج ودون لقاح ودون وقاية من أي نوع؟ .. لا بديل من الإجابة عن هذا السؤال المُحَيِّر.