أذكر أنني كنت، في إحدى مقالاتي، من الذين امتدحوا قراراً صدر في مصر يقتضي بمنع مناظر التدخين في المسلسلات والأفلام. كان هذا منذ سنوات. واليوم حين نتأمل ما يرميه الفضاء في وجوهنا يجعلنا نتساءل بدهشة عن مصير ذلك القرار؟.. ولماذا لا يتم التقيد به في الانتاج الدرامي، ليس في مصر وحسب، وإنما في عالمنا العربي بمجمله؟ مازالت مشاهد تدخين التبغ والمخدرات تمرر أمامنا على الشاشات وكأنها شيء عادي.. والمصيبة انها باتت مترافقة مع كم هائل من مناظر المسكرات التي تدار باعتيادية في بيوت شخوص الدراما المصرية والسورية.. وحتى الخليجية لم تنج منها! الأعمال الدرامية الرمضانية حافلة بهذه المناظر، ونستغرب ارتياح منظمة الصحة العالمية في بيان رصدها وتتبعها لاستهلاك التبغ ومعاقرة المسكرات في تلك الأعمال، فالمنظمة اختارت عينة عشوائية من 14 مسلسلاً، رأت ان تسعة مسلسلات منها فقط خلت من تلك المشاهد، وأن نسبة التدخين انخفضت في الأخرى في ظل تزايد ملحوظ لمشاهد معاقرة الخمور من دون مبرر درامي! مهما قلّت هذه المشاهد فإنها تبقى ضارة، ونحن نستنكر وجودها، ولن نعلن عن ارتياحنا إلا حين تتضافر كل الجهود لمنع إجازة بث تلك المناظر التي تهدم وتخرب ما تبنيه البيوت والمدارس والمساجد ومؤسسات الدولة! ومما يرثى له أن هذه التجاوزات ليست مقتصرة على القنوات التجارية الخاصة وإنما اكتسحت ايضاً شاشاتنا الرسمية! فأين دور الرقابة في قنواتنا العربية؟ هل اقتصرت مسؤولية الرقابة فيها فقط على حذف الكلمات التي تسيء لمسؤول ما.. أو نظام ما؟ هل بات خطر الكلمات التي تنتقد الأنظمة والمسؤولين أشد خطراً على المُشاهد من مناظر لا أخلاقية تهدم جيلاً بأكمله؟ إن حب الطفل أو المراهق تجاه فنان يراه يومياً على الشاشة يجعله يفتتن بتحركاته، مما يدعوه إلى تقليد تصرفاته، حتى وان كانت سيئة، في ظل غياب القدوة الجيدة الحقيقية من حوله. فها هي دراسة أمريكية حديثة تؤكد أن نحو 40٪ من المراهقين الأمريكيين الذين يجربون التدخين لأول مرة يفعلون ذلك لأنهم شاهدوا ذلك في أفلام السينما! وشبابنا ليسوا محصنين، وليسوا ملائكة، انهم يتأثرون أيضاً بما يرونه أمامهم. الدراسة الأمريكية تلك وصفت بأنها أول نظرة قومية لتأثير السينما على التدخين بين الشبّان، وكان من توصياتها انها حثت هوليوود على «تقليص مشاهد التدخين أو اللقطات التي تصور الأنواع المختلفة للسجائر». كما أوصت الدراسة أن يفكر صنّاع السينما في اضافة إشارة إلى التدخين (وأضيف إليه تعاطي المسكرات وأجواءها) وذلك في البيانات التي تصنّف الفيلم السينمائي والتي تذكر مثلاً ان الفيلم يتضمن مشاهد صريحة أو عنفاً أو تجديفاً! مسؤولية الإعلام والفن مسؤولية جسيمة لا يستهان بها.. ويجب على من يتصدر لها أن يتمتع ببصيرة نافذة، وعقل ناقد، وضمير حي، لأنه سيتحمّل تبعاتها، وتبعات من عمل بها، إلى يوم الدين. al- [email protected]