حين أراد كاتب عربي كبير، قبل عقود من الآن، ان يجرّب حظه في الكتابة للأطفال، لم يجد ما يبدأ به قصته سوى جملة: «نفث القط الصغير دخان سيجارته ثم التفت الى رفاقه وقال لهم...». يومها، لم يكن ليخطر على بال كاتبنا ان مثل هذا المشهد قد يتعرض له مقصّ الرقيب إن قرر احدهم تحويل قصته الى الشاشة الصغيرة في زمننا هذا... تماماً، كما حدث مع مسلسل «تان تان» الكرتوني الذي اوقفت عرضه هيئة الرقابة في التلفزيون التركي قبل ايام لاحتوائه مشاهد تدخين. ولكن، مهلاً... لسنا في تركيا، إنما في العالم العربي، حتى وإن كنا نقبع تحت سيطرة الدراما التركية، ففي بلادنا، كل شيء مباح. على الأقل، هذا ما كشفته دراسة أجرتها جمعية «حياة بلا تدخين» في القاهرة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. فإذا كانت الدراما المصرية لا تزال الأكثر انتشاراً على الفضائيات العربية، فإن النتيجة التي وصلت اليها الدراسة مخيفة: «أكثر من نصف حلقات مسلسلات رمضان المصرية احتوت على مشاهد تدخين بنسبة 54 في المئة. اما نسبة ظهور «تحذير» من أضرار التدخين على الشاشة مصاحباً لتلك المشاهد فصفر في المئة». امام هذه الأرقام، لا تعود توجيهات بعض القنوات - مجموعة «ام بي سي» مثلاً - بمنع مشاهد التدخين على شاشتها، ذات جدوى، ويصبح ضرورة اصدار تشريعات تحافظ على سلامة الجمهور من الآثار السلبية التي تسوّق بطريقة غير مباشرة للتبغ. فإذا كانت الدول العربية اليوم مفتونة بما تقدمه الشاشة التركية من أعمال درامية تنهال علينا من دون توقف، فلماذا لا تسير على خطى تركيا في تبنيها قانوناً ينص على حظر المشاهد التي تظهر أشخاصاً وهم يدخنون على شاشة التلفزيون وحتى خلال العروض التي تبث على الهواء؟ ولماذا لا تفرض غرامات على القنوات التلفزيونية التي تبث مثل تلك الافلام أو المسلسلات تماماً كما فعلت تركيا بتغريم القناة التلفزيونية الخاصة التي بثت «تان تان» وسواه من الافلام والمسلسلات المخالفة؟ ولماذا لا تحتذي شركات الإنتاج بشركة «الصدف للإنتاج التلفزيوني» التي اتخذت قراراً بمنع مشاهد التدخين في كل المسلسلات التي تنتجها بناء على توجيهات «ام بي سي»؟ قد يعتبر بعضهم ان مثل هذه الدعوة خيانة للدراما الواقعية، بما ان التدخين جزء من الواقع. ولكن الفارق كبير بين ان يمر مشهد او أقل في كل حلقة يصور شخصاً يدخن لغايات درامية محددة، وبين ان يدخن الممثلون - وهم قدوة المجتمع أحياناً - بمناسبة ومن دون مناسبة.