بدا واضحاً أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية بشكل صارم لمواجهة أعمال العنف التي اندلعت منذ السابع والعشرين من الشهر الماضي «أكتوبر» قد أتت أكلها وبدأت تعطي ثمارها مؤقتاً باعتبار أن الحلول الأمنية ليست في كل زمان ومكان إلا حلولاً جائرة وعابرة.. فقد انخفضت الليلة قبل الماضية نسبة السيارات التي أحرقت حيث لم يتجاوز عددها 558 سيارة بدلاً من الأرقام السابقة التي تجاوزت الألف في بعض الليالي.. وتم إيقاف مائتين وأربعة أشخاص بحسب احصائية مؤقتة. وقد حدث هذا التراجع بفضل فرض حالة الطوارئ وفرض حظر التجول الذي أعطي لخمسة وعشرين محافظاً في أنحاء فرنسا. والعجيب ان حظر التجول لم يقنن في فرنسا إلا أيام حرب الجزائر وكأن التاريخ يعيد نفسه وإن كان الآن يشمل الفرنسيين ذوي أصول جزائرية وغيرهم من أبناء الجيل الثالث الذين أصبحوا «دون علم بعض الفرنسين ودون قناعتهم فرنسيين بكل ما تعنيه الكلمة». وفي غمرة هذا التراجع وهذا الهدوء النسبي عاد وزير الداخلية نيكولا سيركوزي إلى إشعال النار مجدداً وذلك حين أعلن أمام الجمعية الوطنية الفرنسية «البرلمان» عن وجوب طرد مائة وعشرين شخصاً ممن شاركوا في أحداث الشغب من الأجانب حتى لو كان لديهم أوراق إقامة ثابتة وقانونية وانه أوعز لكل محافظ بتنفيذ هذا القرار مما سيشعل النار مجدداً على أكثر من جبهة سواء في ذلك جبهة جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان ومعها أحزاب اليسار أو جبهات المتظاهرين ومثيري أعمال العنف، وحتى داخل أروقة البرلمان الفرنسي.. وسيعود الوزير الذي كانت عباراته النابية والتي وصف فيها هؤلاء الشباب بالحثالة والرعاع سبباً رئيساً في هذه الأحداث سيعود هدفاً لهجوم أو هجومات عديدة وحادة من أطراف عديدة للمطالبة باستقالته. هذه الاستقالة التي يحلم بها ويتمناها كبار المسؤولين في حزبه وبالرغم من أن خمسة وعشرين محافظاً قد أعطوا حق فرض حظر التجول إلا أن أغلب المحافظات القريبة من باريس لم تطبق هذا الحق ودعت بدلاً من ذلك إلى التهدئة والتعقل. من جهة أخرى كشفت مصادر اخبارية عن ان الوزير الفرنسي يعمل على مشروع يهدف إلى استقدام أدمغة العالم الثالث والعالم الثالث بالنسبة لفرنسا هو مستعمراتها القديمة، ويأتي في مقدمتها بلدان المغرب العربي وافريقيا، والواضح من مشروع السيد الوزير هو استقدام النخبة بدلاً من تبني «الرعاع والحثالة» هذا في حالة الموافقة على المشروع حين تقديمه إلى البرلمان. وفي غمرة هذه الحرائق، بدا ان مدينة مرسيليا لم تتأثر أبداً، وقد علق بعض العارفين بأحوال هذه المدينة، بأن الفضل للمافيا التي تفرض قوانينها هناك وفي بعض مدن الجنوب الفرنسي الذي تتلاقى فيه الكثير من قوى المافيا من الشرق والغرب. وكانت الشرطة الفرنسية قالت انها اعتقلت 90 شخصاً خلال حوادث شغب في وقت متأخر يوم الأربعاء وأن 394 سيارة أحرقت ليل الأربعاء/ الخميس. وكانت هذه الليلة الرابعة عشرة من العنف الذي يقوم به شبان غاضبون أساساً من التمييز العنصري وتفشي البطالة. وقال مسؤول في مقر الشرطة الوطنية «حتى إذا كان الرقم أعلى قليلاً من الليلة السابقة فإن العنف أقل.. ولا إصابات.. ولا حوادث بارزة.. الوضع تحسن عموماً». وقال انه تم اعتقال 169 شخصاً خلال الليل.