لا أحد يمكنه التشكيك في جدوى الابتعاث الخارجي وأهميته لصالح الوطن ومستقبل أبنائنا، لكن نريد أن نفهم كيف تسير الأمور في هذا الملف الذي بات شائكاً نظراً لما نراه من اتفاقيات كثيرة تُعقد لابتعاث مزيد من الطلاب إلى الخارج فيما لا نعلم هل هناك استفادة حقيقية من الذين تم ابتعاثهم منذ بداية برنامج الابتعاث نفسه؟ لقد بدأ برنامج الابتعاث الخارجي في وقتنا الحالي عام 1426ه، كمبادرة لتلبية احتياجات التنمية من الكوادر الوطنية المؤهلة - وحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة التعليم العالي قبل دمجها بوزارة التربية والتعليم فإن إجمالي المبتعثين الدارسين في الخارج بلغ 149742مبتعثاً، بينهم 69235 يدرسون في أمريكا، بينما بلغ عدد الدارسين في الدول العربية 16364 مبتعثاً. وجاءت بريطانيا في المرتبة الثالثة من حيث أعداد أبنائنا الدارسين فيها، إذ بلغوا 14459 مبتعثاً، تلتها كندا بإجمالي بلغ 13801 مبتعث، ثم أستراليا ب8789 مبتعثاً، ثم نيوزيلندا ب 2049 مبتعثاً. الإحصائية نُشرت عام 2013م لتحسم الوزارة بها الجدل الدائر حول أعداد المبتعثين، وبعد قرار دمج الوزارتين في وزارة واحدة باسم "التعليم" شهدنا خلال شهرين فقط من العام الحالي توقيع عدة اتفاقيات لابتعاث الطلاب، فقد وقع وزير التعليم النشط الدكتور عزام الدخيل اتفاقية مع وزارة الزراعة لابتعاث 500 ضمن المرحلة الثالثة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، كما وقع مع وزير الاتصالات وتقنية المعلومات اتفاقية ابتعاث 500 مرشح في أمن المعلومات. ويمكن باختصار ذكر بقية الجهات التي وقعت معها الوزارة اتفاقيات للابتعاث وعدد المبتعثين كالتالي: وزارة التجارة والصناعة :(1000)، الهيئة الملكية للجبيل وينبع: (1000)، الخطوط السعودية: (5000)، الطيران المدني :(600)، مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما): (5000)، مؤسسة "الصناعات العسكرية": (5000)، مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية:(1000)، المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة:(1000)، المؤسسة العامة للخطوط الحديدية: (1000)، وزارة الشؤون الاجتماعية: (1000) مُبتعث. عدد المبتعثين وعدد الاتفاقيات التي تم توقيعها كبير جداً ويشير إلى جهد أكبر بُذل فيها، لكن السؤال هو: هل سيتم تقييم دوري لمخرجات برنامج الابتعاث؟ وما مدى الاستفادة من الخريجين في ميادين العمل المختلفة؟، فنحن ما زلنا نسمع شكاوى من عدم استيعاب العائدين من الابتعاث لأسباب غير واضحة مثل ذريعة عدم الخبرة التي نسمعها كثيراً، فالمنطق يقتضي أن يذهب المسؤولون إلى المبتعثين بالخارج لمراجعة وضعهم والتنسيق الفعلي للاستفادة من مجالات دراستهم قبل توقيع اتفاقيات جديدة لابتعاث غيرهم ممن قد يلقون المصير نفسه وتكون المحصلة مجرد اتفاقيات لا جدوى منها. ثم من يتابع أمر أبنائنا المبتعثين الآن؟.. لقد كنا نعلم أن هناك وزارة مخصصة لهم وبعد دمجها لم تعد هناك جهة تعلن عن نفسها بصفتها المعنية بهؤلاء الطلاب الذين يتعرضون لكثير من المشاكل ولولا الأوامر السامية الكريمة التي تصدر لنجدتهم بين حين وآخر لما وجدوا من ينتبه إليهم. ولا أقصد بالاهتمام فقط مجرد حل المشاكل وتتبعها وإنما وضع الخطط الكفيلة بالاستفادة من المبتعثين عند عودتهم لوطنهم وأن يكون ذلك بشكل علمي ومنهجي تحت شعار وظيفتك بانتظار انتهاء بعثتك وعودتك وأن تكون هناك جهة يمكن محاسبتها عند التقصير بدلاً من هذا الوضع الغامض الذي نحياه خاصة أننا نشهد الآن عقاباً فورياً للمخطئين والمقصرين. والله من وراء القصد