في قريتي الوديعة كان الزمانُ ينام، وتُسافر بأجنحتها الأحلام، ويَعُمُّ الهدوء والسكينة .. القريةُ الوديعةُ تنام بعد صلاة العشاء مباشرة، لم يكن هناك تلفزيون، ولا كهرباء، كُنّا نتناثر في سطح ذلك البيت الفسيح، كأنّنا أحلامٌ في ضمير الزمان، وكنتُ أنظرُ النجوم قبل أن أنام، كانت السماء مرصّعةً بالنجوم، تومض من بعد سحيق، وتُداعب الأحلام .. تُرى أينَ النجوم في المدينة؟ . قريتي الوديعةُ تنامُ على اسم الله، وتصحو على ذكر الله، وتغتسل بالنسيم الطلق، وتعُبُّ من خوص النخيل، وخُضرة الحقول وربما مرّ بها مسافر، وربما مرّ بها سار بليل، فنسمع شعره الجميل ونحن في السطوح على وشك النوم، ويُخفِض الساري صوته الجميل، احتراماً للنائمين، ويسري لنا الصوتُ في هدأة الليل، فكأنّه بلبل في الصحراء وحيد، يغرّد بصوته الشجي ، يُهدهد النائمين .. وتنشط قريتي الوديعة مع مقدم المغرب، وتمتلىء طرقاتها الضيقة، وتعود الشياه الى بيوت أصحابها بلا دليل، ويعود الرجال من العمل فترى الفلاّح وعليه آثار من طين الأرض، وترى الحطّاب وهو يحمل حزمة من حطب، وترى الراعي يعود وفي حضنه عَنَاق صغيرة، وحزمة أغنيات، وترى النساء في عباءاتهنَّ السوداء، تلك تنتظر رجُلها وتلك تنتظر شاتها، وترانا نحن الأطفال نتناثر هنا وهناك، وننظر في وجوه القادمين بمودة، ونعرف الشاة بتقاطيعها، ونعرف العناق بقفزها، ونعُبُّ من نسيم الأصيل ومن الأحلام .. احب الليل و نجوم الليالي حبيباتي أساهرهن لحالي وبعد مقدم الغروب بقليل، تهدأ الحياة في قريتي الوديعة، فتلوذ الطيرُ بأعشاشها، وتسكن الشياه في مرابضها، وتسكت حركة البيع في القرية، ويعم سواد أنيق، وتخلو الطرقات من الرواد، وتمتلىء أسطح البيوت، وتظهر النجوم تومض من بعد، وتحلو نسمات الليل .. وبين صلاة المغرب والعشاء، وفي قريتي الطفلة، بين الصلاتين، تعود الشياه الى حظائرها في البيوت، بطونها ملأى من المرعى، وضروعها ملأى من الحليب، وتقوم الزوجات بحلب الشياه، وتقوم الزوجة بتدليك قدمي زوجها الفلاح، أو علاج الجروح في جسد زوجها الحطاب، ثم تقوم الزوجة بحلب الشاة، وتقديم وجبة العشاء والحليب، ثم يصلي الجميع، ويأوون الى نوم عميق .. واذا أمسى المساء في قريتي الطفلة وامتد ظل السّمار على الأشياء والأحياء وسكن السكون ، وتجلى سلطان النوم، بدت قريتي الوديعة، كأنها خيمة كبيرة، بساطها الأرض ولحافها السماء، ونورها النجوم، وحُرّاسها النخيل، فكأنها قصيدة شاعرة في ديوان الأرض .. في قريتي الوديعة كانت بيوتنا تقوم من الطين، وتتراص بجوار بعضها كما الأحباب، والبيت يضمُّ الأحفاد والأجداد، فكانت ربة البيت كلما قدم المساء، تصعد الى السطح الأعلى، فتفرش المراقد ، وتهيئ المكان للنوم، وكنت ترى بعد هذا جَدّا مُسِنّاً يتكىء على حفيده الصغير، ليصعد الى السطح، وترى جدة عمياء، في يدها مهفة من خوص تهف بها، وفي يدها الأخرى حفيدة صغيرة تقودها، وترقيان الدرج معا حبّة حبة، حتى اذا وصلت الجدة فراشها، تنهدت من أعماقها، فقد أخذ الصعود قُوّتَها، فتستلقي على فراشها الصغير، وقد فرحت الحفيدة الصغيرة بصحبة جدتها، وشاركتها في فراشها، لكي تكون قريبة منها، ملتصقة بها واعية لحديثها، هُنا تأخذ الجدة في سباحينها، وتبحر بصغيرتها على جناح حكاياتها، فكنت تسمع في الصمت صوت الجدة، وكنت ترى في الظلام التماع عيون الصغيرة .. وفي الهزيع الأخير من الليل، وقبل أن يُؤذّن لصلاة الفجر بقليل، تستيقظ القرية كلها في بيوتها وتُمَد سجادات الصلاة، وتُفْتح المصاحف، ويأخذ الرجال والنساء في التهجد لرب الأرض والسماوات، فكم من دمعة تنزل على الخدود، وكم من أنةٍ خرجت من الصدور، وكم من دعوة رُفِعَتْ إلى السماء مع آية وعد، من قوم أطهار، ليس بينها وبين الله حجاب. أَقْبَلَ الصُّبْحُ يُغنِّي للحياةِ النَّاعِسَهْ والرُّبى تَحلمُ في ظِلِّ الغُصونِ المائِسَهْ والصَّبا تُرْقِصُ أَوراقَ الزُّهورِ اليابسَهْ وتَهادى النُّورَ في تِلْكَ الفِجاجِ الدَّامسَهْ أَقبلَ الصُّبْحُ جميلاً يملأُ الأُفْقَ بَهَاهْ فتمطى الزهر والطير وامواج المياه قد أفاق العالم الحي وغنى للحياه فأفيقي ياخرافي وهلمي يا شياه (ابو القاسم الشابي) احب الليل و نجوم الليالي حبيباتي أساهرهن لحالي لقيت بصحبة النجمات سلوى عقب ما فارق الخفّاق غالي ألا يا ساريات الليل سيري على واديه مع مسرى خيالي تجلِّي في سما خلّ المودّه و قولي للحبيّب وش جرا لي هنيك يا نجوم تناظرينه و انا مالي على النظره مجال ِ و لكني ولو شابت عيوني احب الليل و نجوم الليالي صبرت وكل حي لو تصبّر الى مالت ليالي العمر مالِ (خالد الفيصل) الشياه تعود الى بيوت أصحابها بلا دليل الفلاّح يظهر عليه آثار المجهود الأحفاد والأجداد وربة البيت