لن تنسى أمل ذلك المنظر المريع الذي رأته عيناها قبل ايام ودفعها الى ترك عادة النوم فوق سطح المنزل، وتحمل حرارة الصيف داخل بيتها على رغم انقطاع التيار الكهربائي المستمر. امل التي اعتادت ان تهيّئ فراشها وفراش زوجها واطفالها يومياً فوق سطح المنزل بعد غروب الشمس وضعت لمولودتها الصغيرة عفاف، التي لم يتجاوز عمرها الشهرين، فراشاً مماثلاً قريباً من فراشها وغطته بقماش خفيف، خوفاً من دخول الحشرات اليها. وتقول انها اشرفت على نوم اطفالها الثلاثة ثم ارضعت عفاف ووضعتها في سريرها، قبل ان تنام وتستيقظ في اليوم التالي مع بزوغ اشعة الشمس، لتفاجأ بوجود بقع من الدم فوق جسد ابنتها والى جانبها قطة كبيرة. التفسير الوحيد الذي دار في ذهن المرأة عن ذلك المنظر دفعها الى الصراخ والنحيب وافزاع العائلة، فقد اعتقدت ان القطة افترست ابنتها الصغيرة ليلا وان المسكينة فارقت الحياة. لكن القدر خبأ شيئاً آخر لم يكن في الحسبان. المرأة اكتشفت بعدما احتضنت طفلتها وهي تبكي ان الصغيرة على قيد الحياة، وان القطة هي التي ماتت. وتقول «سارع زوجي لرفع القطة من فراش ابنتي بعدما تأكدنا من سلامتها، فوجدنا انها ميتة وان جسدها مليء بالجروح والدماء التي قد تكون ناتجة من شجار دار بينها وبين احد الحيوانات الاخرى قبل ان تلجأ الى فراش ابنتي وتموت هناك». امل قررت منذ ذلك اليوم ان تنام داخل المنزل وتتحمل القيظ على النوم فوق سطح المنزل، مثلما اعتادت العائلات العراقية ان تفعل في فصل الصيف. ذلك أن سطوح المنازل باتت ملاذاً للأسر العراقية من حر الصيف على رغم العواصف الترابية التي يتعرض لها العراق منذ ايام، ودفعت كثيرين الى العزوف احياناً عن النوم فوق سطوح المنازل لحين انتهاء العاصفة. ولا تبدو ظاهرة نوم العائلات العراقية فوق سطوح المنازل بالأمر الجديد، اذ انها من الأمور المتوارثة لدى العراقيين منذ قرون، فالسطح يمثّل غرفة نوم في الهواء الطلق لغالبية الأسر التي يقوم بعضها بنصب «ناموسيات» من القماش الخفيف لتجنب لسعات البق والحشرات الطائرة. وتحفل هذه الظاهرة بوقائع وحوادث كثيرة بعضها مؤلم وبعضها الآخر لا يخلو من الطرف، فسوء الوضع الأمني في بغداد قبل عامين منع الاهالي من النوم فوق سطوح منازلهم بعد وقوع حالات وفاة عدة ناتجة من رصاصات طائشة استقرت في احشاء بعض الأفراد اثناء نومهم فوق السطوح. ثم عاد الناس الى اسرّتهم السطوحية، بعد طي تلك الصفحة من كتاب يومياتهم. ويروي جليل حادثة طريفة وقعت له اثناء نومه فوق سطح المنزل العام الماضي ويقول: «اعتدنا انا وزوجتي ان نسهر الى وقت متأخر من الليل قبل ان نصعد للنوم فوق السطح. وذات ليلة، قررنا ان نسهر فوق سطح المنزل، مستفيدين من جمال السماء وصفائها ولطافة الجو. وعند صعودنا، لاحظنا ان فراشنا الذي وضعته زوجتي فوق السطح قبل اكثر من ساعتين كان اختفى مع العصائر وبعض المأكولات التي اعدتها زوجتي للسهرة». جليل وزوجته اللذان فوجئا بالموقف ادركا لاحقاً اختفاء انبوبتي غاز وبعض الأغرض التي يحتفظان بها في مخزن خاص فوق سطح المنزل، فعلما ان اللص سرق معه فراشهما والأطعمة التي اعدّاها للسهرة. ويقول إنه وزوجته قررا منذ ذلك الوقت عدم اعداد فراشهما الا في لحظة صعودهما الى النوم كي لا يتعرضا للسرقة مجدداً. وترى غالبية العائلات العراقية ان النوم على سطح المنزل هو المنقذ الوحيد لها من حرارة الصيف اللاهب، لا سيما ان انقطاع التيار الكهربائي يستمر لساعات طويلة في الليل، فيما يقوم المسؤولون عن المولدات الكهربائية في المناطق باطفائها بعد منتصف الليل. فهذه الظاهرة باتت جزءاً من التراث الشعبي الموروث الذي لم يفلح العصر الحديث ومكيفاته في إزالتها.