القمر يسكب نوره من خلال ستائر المحبين، وفي الصباح يتألق ضوء الشمس في أحضان الأفق ليشرق على وجهها الذي أنهكته تجاعيد الزمن.. بالأمس كانت فتاة غضة العود سرعان ما سحقتها السنين العجاف، ولم يعد يهمها طير يحلق في السماء، ولا يهمها فراش جميل ونحل يغني أو غيم يمر.. حلم انتهى بكابوس مزعج أيقظها من فراشها؛ فهل تدرك قسوة الكون طيلة عمرها وسنواتها الملأى والأسى.. وتطل ملامح من وطنها تتسرب كالقبلة حاملة عشق اللحظة في الزمان الوردي الذي أرخى سدوله تتوكأ على عصا تهش بها على السنين التي أنهكت شبابها وتركتها منحية الظهر ترتدي ثوباً فضفاضاً يستر ما أفسده الدهر.. ترفع يديها إلى السماء تدعو الله أن يطيل عمرها وما فائدة العمر الذي شوهته السنين.. استعادت شريط حياتها تفرز اللحظات التي أفسدتها الأيام، وفي المساء تتوسد مفاصل الليل لتنام وتحلم بكوابيس موشحة بالتشنج.. في ليلة من ذات الليالي اجتمع حولها أحفادها لتقص عليهم أحجية مما رأته وسمعته في شبابها وشيبها فيصغي الأطفال بشغف وتتسع لديهم مجالات الفرحة وعلامات الاستغراب والتوق لما سمعوه من جدتهم، ويحين وقت النوم وينام الأطفال وتنام الجدة بانتظار صبح تتباكى فيه على شبابها وحبها الذي طوته السنين ويتبدد الظلام وطاردت لحظة عشق هاربة إنه الحب الذي لا يذبل.. وتظل أوراقه خضراء تسقيها قطرات الندى مع بزوغ الفجر، وتلبدت السماء بالغيوم وقصف الرعد ولاح البرق وهطل المطر.. إنها تستعيد أيام زمان عندما كانت شابة تنشد أبيات الشعر، وهي هنا تختار قصيدة من قصائد أمرؤ القيس التي يغازل فيها الزمن ويرسم لوحة عشق إنه الزمن الذي تتجلى فيه سحر الفرحة في ليل شديد البرودة.. عيناها حاورتا سر العتمة؛ وكانت ترنو للنجوم التي نثرها القدر في السماء ودعت مرة أخرى وهي قانعة بأن الله يجيب دعوة الداعي قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} صدق الله العظيم. الرياض