أصبحت ظاهرة الإرهاب تسعى كالأفعى، وتبتلع دولاً ومجتمعات بلا هوادة، مخلفة دماراً وخراباً لتحطيم هيبة الدول وتمزيق اللحمة الوطنية في أكثر من بلد، وتشرذم النسيج الاجتماعي تحت مظلة الطائفية. واستطلعت "الرياض" آراء أكاديميين وخبراء وإعلاميين لمعرفة أسباب وظاهرة الإرهاب وكيفية التصدي له. وذكر د. عمار علي حسن كاتب متخصص في علم الاجتماع السياسي، في دراسة مهمة في مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي: "هذا التركيب أو التعبير أو حتى المصطلح صار الأكثر تداولاً واستعمالاً في أيامنا تلك، بعد أن بلغ الإرهاب مداه، وانتقل من «الكر والفر» تحت جناح من السرية والكتمان إلى الإعلان الظاهر عن نفسه، والمباهاة الصاخبة بما يفعل من قتل وتدمير، وتطور وتحور من جماعات وتنظيمات موزعة على أرض دولة واحدة أو داخل إقليم واحد منها إلى أخرى عابرة للحدود ومتواجدة في بلدان عدة. وانتقل الإرهاب أيضاً من تنظيمات تكتفي ب«إزعاج» السلطة إلى أخرى تطلب السلطة السياسية وتحصل عليها مثل حالة «داعش» الذي اقتطع أجزاءً من أراضي العراق وسورية، وأعلن قيام «دولة» عليها، معتبراً إياها نواة ل«خلافة» أو بمعنى أدق «إمبراطورية» تمتد من غانا في غرب أفريقيا إلى فرغانة في آسيا الوسطى. الإرهابيون يستغلون الإنترنت بشكل كبير لبث أفكارهم وتوجهاتهم وأضاف أن هذا الاصطلاح مستمد من علم «البيولوجيا» الذي يسهب في الحديث عن علاقة الطبيعة بالكائنات الحية، نبات وحيوان وبشر، ليفصل بين بيئة مناسبة لعيش كائن معين ونموه وترعرعه، وأخرى غير مناسبة على الإطلاق. ولفت إلى أنه قياساً على هذا يصبح بوسعنا أن نتحدث عن بيئة اجتماعية، أو سياق اجتماعي، يسهم أو يسهل تفاعل وانتشار أفكار وتصرفات معينة. فإن كان الأمر يتعلق بالإرهاب، نجد أن وسطاً اجتماعياً يكون أكثر تقبلاً واحتضاناً له، كفكر منحرف وممارسات مدمرة، من وسط اجتماعي آخر، يستهجنه ويلفظه. وأشار إلى أن علينا أن نفرق في هذا المضمار بين ثلاثة مستويات لهذه البيئة، على النحو التالي: البيئة المنتجة للإرهاب؛ حيث يتفشى الجهل والفقر ويضعف تواجد الدولة بمختلف مؤسساتها وخدماتها، ويندر أو ينعدم وجود تنظيمات أو أحزاب تعتنق أفكاراً مدنية، يسارية أو يمينية، بينما يشتد تواجد أنصار الجماعات الدينية المتطرفة، التي تنفرد بالناس، وتكون هي وسيلتهم الوحيدة لتلبية الطلب على المعلومات والمعرفة الدينية. وهنا يسهل على هذه الجماعات القيام بعملية «غسيل مخ» لكثير من الأفراد، يتم تجميعهم أو تكتيلهم حول الأهداف التي حددها قادة الجماعات المتطرفة، الذين يتخذون من أعمال العنف، وعلى رأسها الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافهم. وحدث هذا في مناطق داخل باكستان، خاصة بيشاور، وداخل أفغانستان، لاسيما قندهار وما حولها. وتم في مناطق معزولة في صعيد مصر خلال ثمانينيات القرن العشرين بالنسبة لتنظيم «الجماعة الإسلامية»، وكذلك حدث في الجزائر والصومال، وبعض الأحياء المهمشة والمنسية في المدن الضخمة. شبابنا المغرر بهم يجهلون أن التعليمات تأتيهم من الخارج ويمكن هنا أن نضرب مثلاً بما جرى في حي «إمبابة» في القاهرة في مطلع تسعينيات القرن العشرين، حين زاد تمكن المتطرفون إلى درجة أن قائدهم قال: «أصبحنا دولة داخل الدولة»، لكن هذه الدولة زالت في ساعات حين زحف إليها آلاف من قوات الأمن. البيئة المنسجمة مع الإرهاب؛ وهي بيئة لا تنتج الإرهاب، لكن إن جاء إليها إرهابيون يجدونها مهيأة للتعاطف معهم أو مساعدتهم في مواجهة الدولة دون التزام بتبني أفكارهم أو حتى الانضمام إلى صفوفهم. ويحدث هذا في المناطق الطرفية المهمشة التي أهملتها الدولة، خاصة أن التنظيمات الإرهابية يروق لها أن تنشط في المناطق أو الأطراف البعيدة عن قبضة الدولة، التي هي في الغالب الأعم بعيدة عن المركز. والمثل الصارخ لذلك في بعض مناطق شبه جزيرة سيناء المصرية، والمناطق الجبلية في اليمن، وصحراء الجزائر ومالي. أما البيئة الموظفة للإرهاب؛ هي بيئة لا تنتج الإرهاب ولا تنسجم معه بالضرورة، إنما توظفه لخدمة سياسات معينة. ومن هنا يمكن لأصحاب المصلحة أن يصنعوا إرهابيين أو حالة إرهابية يستعملونها كفزاعة للداخل، بغية تأجيل المطالبة بالإصلاح، أو للخارج الذي يعلن حرباً لا هوادة فيها على الإرهابيين. هذا الوضع امتد من أنظمة مستبدة أو شمولية لدول صغيرة، مثلما فعل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح حين كان يستحضر «القاعدة» ليستدر تعاون القوى الدولية، ومثلما فعلت الولاياتالمتحدة الأميركية نفسها، حين وظفت طاقة «الجهاد» ضد الاتحاد السوفيتي السابق وعلى أرض أفغانستان في إنهاء الحرب الباردة، وتركيع موسكو، وكما توظف الآن «الطاقة المدمرة» لتنظيم داعش في خدمة أهدافها في الشرق الأوسط. هذه البيئات الثلاث في تدرجها تشكل ما يطلق عليه «البيئة الحاضنة» للإرهاب، لكن التفرقة بين تلك الدرجات مهم في وضع خطط مواجهة الإرهابيين، سواء بالمبادأة والهجوم أو التمترس والدفاع، وقبل كل ذلك الرؤى الفكرية البديلة التي تنظر إلى الإرهاب باعتباره عملية تبدأ من الأذهان". فيما قال الكاتب السعودي فارس بن حزام الخبير في المواقع الإسلامية، إن الخلايا الإرهابية لديها ثلاث سبل يستغلون فيها الإنترنت، الأولى «المنتديات» وهي بمثابة مساحات مفتوحة للشخص يشترك فيها ويصبح قادراً على نشر رسائله وأفكاره، وبالتالي بعضها يتم استعمالها لنشر بيانات هذه الخلايا، مؤكداً أن عدد هذه المنتديات الفاعلة يومياً لا يتجاوز 25 منتدى. وأشار إلى أن الوسيلتين المتبقيتين هما «الدردشة التي باتت تستعمل كوسيلة للتجنيد الفكري والعسكري» و«الغرف الصوتية» التي تسمح للمشاركين فيها بالتواصل صوتياً على الانترنت. وذكر أن الخلايا الإرهابية التي كانت تدون في السابق كل تقاريرها وبياناتها، باتت تستعمل المعلوماتية وتنشر على الانترنت «كتباً إلكترونية» تشرح عقيدتها «من أولها إلى آخرها». ولفت إلى نشر التنظيم وصفات لصناعة المتفجرات بواسطة مواد كيميائية متوافرة في السوق خصوصاً من مجال الزراعة. ويذهب ابن حزام في تحليله لواقع هذه الخلايا الإرهابية إلى أنه يتم توفير نصف الجهد للعمل الإعلامي، فإن كان لها نشاط عسكري قتالي، فهي لا تمنح هذا الأمر إلا نصف الجهد، وتوفر النصف الآخر للنشاط الإعلامي، الذي ترى أنه ضروري لإبراز النشاط وإيصال الأهداف إلى الجمهور العام، ومنها التعريف بوجوده للجميع، وتحريض إتباعه للتماشي مع أهدافهم، وبث الرعب في قلوب مخالفيهم، خاصة الذين يستهدفهم في عملياتهم. وأضاف حزام، أن كل ذلك وبالنظر إلى المعطيات والدلائل تثبت أن كثيراً من السعوديين مخدوعون ومسيّرون من مجموعة تتحكم فيهم وتوجههم كيفما تشاء وفق أجندة خارجية، وأنه لا يوجد سعودي قيادي حتى ولو ظهر أي منهم في الواجهة يبقى القرار الأول لقيادات أخرى مختفية. ونبه فارس بن حزام في تحليله إلى خطورة هذه الحقيقة التي قد تجهلها حتى العناصر السعودية المتورطة في هذه الخلايا، مرجحاً أن تكون مخترقة من قبل أجهزة أخرى تحاول استخدام السعوديين كأدوات لتنفيذ مخططاتهم داخل المملكة، مشيراً إلى أن كل ما يجري هو بقيادات تتحكم وتسير شباباً سعوديين صغاراً في السن وفق أجندة سياسية خارجية بدليل أنهم ليس لديهم حتى التجربة الكافية لخوض مثل هذه العمليات من غير قيادات تديرهم وتوجههم وفق ما تريد. ويأتي تحليل بن حزام ليؤكد أن هنالك شباباً صغاراً في السن مغرر بهم استخدموا كأدوات لتنفيذ مخططات خارجية هدفها أمن الوطن، كما تشير هذه الحقيقة إلى مسألة اختراق هذه الخلايا من قبل أجهزة معادية تسوق لأجندتها عبر هؤلاء الذين يجهل كثير منهم حقيقة مخططات تلك الجهات المعادية للمملكة. ويرى الإعلامي ياسر محمد علي صحافي في قناة العربية في دبي، أن ايران لعبت على الدوام دور المحرض الطائفي في المنطقة مشيرا إلى أن الوسيلة الاهم لمواجهة هذا التجييش الطائفي هو تغليب لغة العقل وترجيح المصالح القومية على القطرية، باعتبار أن الخطر الناجم عن الطائفية لن يمس قطراً بعينه وانما قد يطال الوطن العربي كافة. ويضيف أن مواجهة التطرف والطائفية لا تتم الا من خلال الدعوة للحوار الواعي المتمدن المستند الى الوسطية، مذكرا في هذا المجال بالسياسة المعتدلة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية والتي تؤكد دائما على الحوار ولفة التفاهم بعيدا عن العصبية والتطرف. فيما قال د. عزيز بن فرحان العنزي مدير الدعوة والإرشاد في دولة الإمارات، إن المتأمل في السوابق التاريخية والوقائع المعاصرة يدرك تماماً ان الباطل لا يزال في خصومة مستمرة مع الحق، وأنه مهما خبت نار الباطل فسرعان ما يعود ليمارس دوره في التدمير وتكريس الكراهية، وما تتعرض له بلاد التوحيد المملكة من محاولات تخريب وإفساد، وزرع الفتنة، وسعي محموم لضرب النسيج الاجتماعي، أمر يأتي ضمن هذا السياق المشبع بالحسد والحقد من قبل أعداء الإسلام، وأعداء أنفسهم، ولقد أصبح العامي البسيط يدرك مَنْ وراء هذا المكر الكُبَّار، ومن يسعى لتفكيك هذا البنيان المتماسك، والله تعالى يقول: «قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر»، ولذلك الواجب على جميع المواطنين أخذ الحيطة والحذر يقول تعالى : «يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم» ومن أهم ما ينبغي العمل عليه، هو الإبقاء على هيبة الدولة، مصونة الجانب، وهذا لا يتأتي إلا من خلال بذل السمع والطاعة لولاة الأمور، والاصطفاف وراءهم في مواجهة أعداء الوطن، وزيادة التماسك المجتمعي، وتقوية لحمته، ومنع كل ما من شأنه أن يهدد وحدة الوطن، ولا بد من الالتفاف حول العلماء الربانيين السائرين على طريقة السلف الصالح والذين يمثل فقههم ضمانة بإذن الله من الانحراف والغلو، فالرجوع إلى العلماء الأكابر يحاصر في تقديري الرؤوس الجاهلة، جهالة عين، أو جهالة حال، والتي تمثل الشرارة القادحة للفتنة من خلال الفتاوى الجاهلة والظالمة، وأن يكون هناك استنفاراً أسرياً من قبل الآباء والأمهات وذلك بزيادة جرعة العناية بأولادهم، والحذر من أن يكونوا نهباً لأعداء الدين والوطن، خاصة مع هذا الفضاء المفتوح والتقانات والتي تسلل من خلالها أعدائنا، ليختطفوا بعض أولادنا ويزجوا بهم في حروب وصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والأنكى حينما يوجهونهم سهاماً في صدور أوطانهم، ليمارسوا التكفير والتفجير والعنف والتخريب، وقد وقع ضحايا هذا الاستهداف شباب أغرار، غرر بهم الذين يمارسون مكر الليل والنهار، مشيراً إلى أن كل مواطن مسؤول من خلال موقعه بشكل كامل عن أمن وطنه، لأن الوطن سفينة واحدة، والرضى أو التساهل بالخرق فيه هو سعي إلى إغراق السفينة بأسرها، حمى الله بلادنا من الشرور، وأدام عليننا أمننا إنه غفور شكور. ورأى الصحافي نبيل سالم العامل في قناة العربية، إن الإرهاب يعد الآن آفة العصر، لكنه أشار إلى أن بعض القوى الاستعمارية تشكل مسبباً رئيسيا لانتشار هذه الآفة عبر استغلال الشعوب والتدخل في مصائرها، لكنه أوضح أيضاً أن للإرهاب أسباب ذاتية أحياناً، وأنه يستمد قوته من العديد من العوامل أهمها الفقر والجهل، أو الشعور بالتهميش، مشيراً إلى أن الإرهاب غالباً ما ينتشر في المجتمعات التي تعاني من الأزمات السياسية، وغياب الديمقراطية، كما توقف سالم أمام سياسة التجييش الطائفي الذي تمارسه بعض القوى السياسية الداخلية والخارجية، وانتشار الحركات التكفيرية مؤكداً أن هذا التحريض يعد الآن أحد أقوى أسباب التطرف والإرهاب في منطقتنا، والذي يشكل تنظيم داعش احد ابرز مخلفاته الخطيرة. وأشار إلى أن اعتماد سياسة التوعية الاجتماعية، ولغة الحوار بين مكونات المجتمع هي الكفيلة بقطع الطريق على هذا النوع من الإرهاب الذي يستهدف البشر والحجر، ويشكل تحدياً وجودياً حقيقياً أمام أمتنا العربية. وذكر الإعلامي العربي أحمد العسكري باحث في الشؤون السياسية، أنه من خلال متابعة نشأة وتطور الحركات الإرهابية في المنطقة يبدو جلياً أن الأزمات السياسية وطرق تعاطي الأنظمة والحكومات ذات الميول والأهداف الأيدلوجية هي المغذي والمحرك الأبرز لنشوء وتعاظم دور ونفوذ الحركات المتطرفة إذا نظرنا لما يحدث في العراق على سبيل المثال نجد أن سياسات الحكومات المتعاقبة منذ 2003 لغاية الآن والتي اتسمت بإقصاء وتهميش مكون مهم وفاعل داخل المجتمع هي ما مهدت ومنحت قوى التطرف مساحة ومسوغا للتحرك والنمو مستفيدة من مشاعر التذمر وفقدان الثقة بالدولة وأجهزتها الأمنية ويبدو أن القوى المتطرفة نجحت إلى حد ما بتسويق منتجها الإرهابي وكأنه دفاع مشروع عن النفس أمام سطوة الحكومة التي تقودها أحزاب وقوى راديكالية كما للخطاب الإعلامي دور مهم في تأجيج النزعة نحو التطرف لاسيما وسط الانفجار الإعلامي غير المدروس ولا الممنهج والذي استقطب الأصوات النشاز ودعم حضورها الإعلامي استكمالا لدور مشبوه تلعبه قوى إقليمية ضمن مشروع لتفتيت دول المنطقة وإضعافها أن إيجاد أرضية سياسية تستوعب كافة القطاعات والمذاهب والاثنيات، هي الخطوة الأولى والأهم في قطع الطريق على قوى التطرف ومنعها من الاستفادة واستغلال القاعدة الشعبية التي تمثل دور المدافع عنها، كما أن حصر السلاح بيد الدولة وإيجاد حلول للازمات مثل البطالة والحريات وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني كفيلة بتوفير مناخ صحي لشريحة الشباب واستثمار طاقاتهم بعيدا عن التطرف والعنف ومن المهم بناء جسور جديدة من الثقة بين المكونات العرقية والمذهبية تسهم في تعزيز دور الدولة وسلطة القانون بوصفها الحاضنة والبوتقة التي تنصهر وفيها ومن خلالها مكونات المجتمع كافة. د. عزيز العنزي أحمد العسكري ياسر محمد علي نبيل سالم د. عمار علي حسن