يكاد لا يمر يوم واحد، إلا ونسمع فيه عشرات المرات كلمة الارهاب، وما يرافقها من مصطلحات، مثل محاربة الإرهاب، أو تجفيف منابع الإرهاب، أو محاصرة الفكر الإرهابي وغيرها الكثير من المصطلحات والعبارات المشابهة، بيد أن المفارقة الكبيرة التي لابد من التوقف عندها، هي أنه رغم استخدام كلمة الارهاب، في كل يوم وعلى مستوى العالم كله تقريباً، إلا ان غموضاً كبيراً ما يزال يكتنف معنى الارهاب، الى الحد الذي يمكننا فيه القول انه لا يوجد اتفاق واضح بين الباحثين والمهتمين بشأن تحديد معنى الإرهاب أو تعريفه سواء من الناحية الاخلاقية أو القانونية، حيث تعددت التعريفات، لدرجة اختلط فيها الأمر على الكثير من الناس، وذلك لان استخدام كلمة الارهاب بات في اغلب الأحيان أمراً فضفاضا ليس له مقاييس محددة أو دين أو مذهب أو جغرافيا، وإنما بحسب مصلحة هذا الطرف أو ذاك، في ظل تباين المصالح وتباين المعتقدات والمذاهب والأعراف بين الامم، وأصبح فزاعة لابتزاز الدول، حتى انه مع غياب التعريف الدقيق لمعنى الارهاب بات من السهولة على القوى المستبدة، ان تطلق مثلاً كلمة "إرهاب" على كل من يقف في طريقها، كما تفعل الآن (إسرائيل) على سبيل المثال، في وصفها لمقاومة الشعب الفلسطيني، أو إلصاق صفة الإرهاب بالمعارضة في بعض الأنظمة، أو إلصاق هذه الكلمة بكل من يحاول الوقوف في وجه الاستغلال والتسلط في العالم، لا سيما في ظل سيطرة المستغلين، على معظم وسائل الانتاج والإعلام، ووسائل الاتصال العالمية. والارهاب ليس لصيقاً بدين أو مذهب معين، بمقدار ما هو نهج لجهات أو أشخاص تحدده مصالحهم، ويستغلون الدين أو غيره من القيم لتبرير ما يفعلون، ومع أن بعض الجهات النافذة في العالم تحاول إلصاق أي جريمة ارهابية بالعرب والمسلمين، إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن ولادة الارهاب انما كانت في الغرب، وليست لصيقة بالدين الاسلامي، أو حتى بأي ديانة سماوية أخرى. ولو تتبعنا بعض المراحل التي مر بها الإرهاب في العالم، في عصرنا الحالي، لوجدنا أن كلمة إرهاب بمدلولها الحالي، إنما جاءت مع الثورة الفرنسية التي اندلعت في عام 1789 واستمرت حتى عام 1799م والتي انعكست آثارها الكبيرة ليس في فرنسا فقط، وإنما في أوروبا كلها، وخضعت الكثير من المجتمعات الأوروبية إلى تغييرات جذرية، وظهر ما عرف آنذاك بمبادئ التنوير، التي تدعو إلى المساواة في الحقوق، والى الحرية، والابتعاد عن الأفكار السائدة، ويمكن الزعم بأن الثورة الفرنسية ساهمت في إدخال مصطلح الإرهاب terrorism الى الحياة السياسية آنذاك، عندما اعتمد الثوار اسلوب العنف الشديد في ثورتهم، التي ذهب ضحيتها الكثير. واستشراء الارهاب في السنوات الاخيرة في العالم بشكل لا يمكن التنبؤ بمضاعفاته وآثاره الخطيرة، جعل من العمليات الارهابية، جزءًا من يومنا، اذ يكاد لا يمر يوم الا ونسمع فيه عن جريمة ارهابية هنا، أو عمل ارهابي هناك، سواء كان في منطقتنا العربية، أو على مستوى العالم. ومع أن الارهاب ليس جديداً على العالم، وإنما يعود الى زمن بعيد، إلا أن ما يلفت الانظار هنا، هو أن نسبة عظمى من العمليات الارهابية إن لم نقل كلها تنسب إما الى المسلمين، أو الى جماعات مرتبطة بالمسلمين، وهو أمر يستدعي من أي عاقل التمعن في الامر، لا سيما وأن الدين الاسلامي الحنيف دين تسامح، ويرتكز في اساسه على المساواة بين الناس، وعدم التفريق بينهم، وهي مفارقة تقودنا الى البحث عن جذور الارهاب وتتبع خيوطه لمعرفة تلك الجهات التي تقف وراءه، والتي تصنعه أو تدعمه أو تروج له خدمة لأجنداتها السرية الجهنمية، التي تريد الاستفادة بحسب مصالحها، لا بل أضحى وسيلة خسيسة للاعتداء على الشعوب وقهرها، فما هو معنى الإرهاب، ومتى ظهر في العالم؟ ونلاحظ هنا أن الإرهاب لم يستثن أية دولة عربية، وشكل مع الزمن خطراً حقيقياً على أمن المواطن العربي، بل على الدول العربية وبنيتها ككل، كما يحدث الان في دول ما يسمى بالربيع العربي وغيرها، حيث يضرب الارهاب مكونات هذه الدول ويحاول تفتيت قواها خدمة لأجندات خارجية، بعيدة كل البعد عن مصالح العرب والمسلمين، ولا يريد أصحابها أي خير للدول العربية وشعوبها، فالتنظيمات الارهابية والتكفيرية التي تعيث فساداً في سورية والعراق ومصر واليمن وغيرها من البلاد العربية على اختلاف أسمائها كجبهة النصرة أو جند الإسلام، أو عصائب الحق، أو القاعدة وداعش مؤخراً، أو بعض الميليشيات الطائفية، وغيرها من التنظيمات المتفرعة عن حركة الاخوان المسلمين والتي تستخدم الاسلام كواجهة، لتمرير مخططات إجرامية، وإيديولوجيات سياسية إنما هي في الواقع تلبس لباس الدين، لكنها تأتمر بأوامر الخارج وتقوم بتنفيذ مخططات الاستعمار الرامية الى تفتيت الامة، وتهدف الى الاساءة للعرب والمسلمين واستعداء العالم عليهم، وهي بالتأكيد أهداف لا تبعد عن التفكير الصهيوني الذي يسعى الى إبقاء الوطن العربي ساحة للصراعات الفكرية والطائفية، ومسرحاً للحروب، لتحقيق الاهداف الاسرائيلية المتمثلة بالسيطرة، وإبقاء (إسرائيل) الدولة الاقوى في المنطقة، والمهيمنة اقتصادياً عليها، لا وان النجاحات الكبيرة التي شهدتها بعض الدول العربية على الصعيد الاقتصادي وخاصة دول الخليج العربية التي تشهد حالة من الاستقرار والنهوض الاقتصادي ساهمت وتساهم في ردم الهوة الحضارية بين هذه المنطقة والغرب، ناهيك أن أي قوة عربية، أو دولة عربية متماسكة تبدو في النهاية أمراً مقلقاً للصهيونية العالمية التي تسعى منذ زمن بعيد للهيمنة على هذه المنطقة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا توسع الارهاب بهذا الشكل؟ وماهي الجهات التي تقف وراءه؟ وماهي الوسائل الكفيلة بالقضاء عليه واستئصال خطره قبل ان يستشري اكثر؟ وقبل أن يلحق المزيد من الخراب والدمار في منطقتنا والعالم؟ بالتأكيد إن هناك الكثير من العوامل التي تساعد على انتشار الارهاب واستفحاله، منها عوامل اجتماعية ومنها سياسية ومنها عوامل اقتصادية وأخرى ثقافية، قد تكون موجودة في منطقتنا، لكن اللافت في الأمر أن معظم التنظيمات الارهابية، إنما صنعت، ومولت، وخطط لها من الغرب، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة، التي لا يشك أحد بارتهانها لإملاءات المخابرات الغربية، وكذلك بعض التنظيمات الارهابية لتشويه صورة الاسلام الحقيقي وتحديد لمذهب معين من خلال قطع الرؤوس وإحراق الجثث وهدم الآثار والقضاء على الاقليات غير المسلمة بحجة تطبيق شريعة الدين، حيث مارست القاعدة الكثير من الجرائم ضد الدول العربية بلا استثناء وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فيما لم يسجل أي نشاط لهذا التنظيم الارهابي ضد رأس الشر في العالم وهو الكيان الصهيوني، كما أن تنظيم داعش الان والذي يبدو ان الغرب يلاعبه لعبة القط والفار ليس بعيداً أبداً عن نمط القاعدة وسيرتها، فزعيم هذا التنظيم كان وما يزال تحت حدقة العين الغربية الاستخباراتية، تماماً كما كان أسامة بن لادن قبل القضاء عليه لحسابات استخباراتية. وداعش وهو صنيعة الاستخبارات، ما تمدد في العراق وسورية، ومن ثم تهديده لدول عربية أخرى سوى بدعم استخباراتي. وعليه فان ما يسمى بمكافحة الإرهاب ليس سوى ضرب من خيال ولو أراد الغرب القضاء على هؤلاء المسلحين، لكان بإمكانهم قصف شاحناتهم الصغيرة، عندما عبروا الصحراء من سورية إلى العراق في يونيو، أو حتى اعتقال أفراده قبل أن يصلوا الى هذين البلدين العربيين، ليهددوا فيما بعد الدول العربية كافة. وحال داعش لا يختلف في الواقع عن حال القاعدة إذ تشير كل الدلائل الى دور قوي للموساد الاسرائيلي والاستخبارات الغربية في صناعته. حيث تم تنظيم حملة لتجنيد آلاف المتطوعين المسلمين من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. ومما تقدم لا بد لنا من التأكيد أخيراً على أن فزاعة الارهاب التي يستخدمها الغرب، ما هي إلا خدعة كبرى لتفتيت الامة العربية وتحطيم كل مقومات النهوض العربي لصالح المشروع الصهيوني وإبقاء هذه المنطقة مجرد سوق كبير للسلع الغربية، ومنجماً يدر على الغرب ثروات هائلة. ورغم أن البعض يحاول تصوير الحرب العالمية على الإرهاب باعتبارها صراعاً بين متنافسين على القيم والأديان، إلا أنها في الواقع حرب احتلال صريحة، تسترشد بالأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، وتهدف الى إبقاء أمتنا العربية عاجزة ضعيفة الى الأبد. وإزاء كل ما تقدم وهو بالتأكيد قليل أمام حجم هذه الظاهرة ومخاطرها على المجتمعات، تبدو محاربة هذه المظاهر الآنفة الذكر أمراً لا مفر منه إذا نحن أردنا مواجهة الارهاب بشكل فاعل والوصول الى نتائج مرضية في هذا الشأن، لابد أولاً من معالجة الأسباب التي تؤدي إليه، عبر انتهاج آلية فاعلة في معالجة الظواهر السابقة التي تعد التربة والبيئة الخصبة لنمو الارهاب والتطرف وظهور الحركات التكفيرية على اختلافها، وفي مقدمة هذه المهام التي لا بد من القيام بها هي زرع ثقافة التسامح، وتعزيز لغة الحوار بين الناس؛ وهنا تبرز أهمية ومحورية مبادرة المملكة الداعية لحوار الأديان وضرورة تعزيز لغة الاحترام بين الأديان السماوية. وأخيراً وليس آخراً لا بد من القول إن محاربة الإرهاب تبدأ أولاً وقبل كل شئ بمحاربة مسبباته والقضاء عليها، وأولها سياسة العدوان على الشعوب واستغلال ثرواتها كما يفعل الغرب الاستعماري، وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، لأنه من دون القضاء على مسببات الإرهاب، تبقى الحلول الأخرى أشبه بالمسكنات التي تعطى للمريض بمرض عضال، فهي لا تشفيه وإنما تؤجل الألم، وينطبق على هذه الدوائر الاستخبارية التي صدرت الإرهاب إلى منطقتنا المثل القائل (رمتنى بدائها وانسلت!!).