يقدِّم الكاتب والروائي الكويتي حمد العبد المحسن الحمد كتاباً عن "فهد راشد بورسلي شاعر الكويت الشعبي :رحلة الإبداع والتمرد والمعاناة" (جداول، بيروت، 2015). وقد سبق أن أنجز كتاباً عن شاعر آخر "فايق عبد الجليل: رحلة الإبداع والأسر والشهادة" (آفاق، الكويت، 2014)، وقد ظهر في الكتابين أسلوب بدا يتضح عند الكاتب في تأليف كتب السيرة الغيرية يعتمد على استعراض المصادر والمراجع بحسب المادة المتوفرة، سواء في حياة الشخصية أو ما كتب لاحقاً بعد وفاته، في دور استقصائي لا يخلو من أساسيات البحث في حدوده المتعارف عليها، ويهدف إلى رسم صورة تاريخية وثقافية عن تلك الشخصية، ويعد فرصة للتعريف المتجدد بشخصيات كبرى من "الثقافة الشعبية" في منطقة الجزيرة العربية. إذ يمثل الشاعر فهد بورسلي (1918-1960) علامة من علامات "الثقافة الشعبية"، ما أدعوه ب "الثقافة النجدية" بفروعها في وسط وشمال وشرق الجزيرة العربية -أو الخليج العربي-. هذه الحلقة الأخيرة. وقد قلب الشاعر ضويحي الهرشاني الطرق اللعبوني ، فوضع قصيدة "راعي القرن الأشقر شد قلبي وتله" ثم طوره بالاجتزاء حمود الناصر البدر في قصيدة " سلموا لي على زين المعاني"، لكن اقترح بورسلي تهذيب هذا الاجتزاء إلى هذا النموذج: " ما يفيد الصبر وبكاي لا أنكروا ما بهم حيلة أتحسّب على دنياي والدهر مع غرابيله" ومن الدائرة الثانية أي دائرة المجتلب التي تضم الحدو والصخري والسامري، فقد استحدث الشيخ أحمد الجابر في الحدو شكلاً شعرياً درج ضمن فنون الخماري يدعى فن ردادي، واعتمد على ترفيل أي زيادة التفعيلتين في الشطر الثاني لتكون الأخيرة مستقلة بشطر كأنما تكون ترداداً للأخيرة، وفي الأداء يتخذها المرددون أساساً لدورهم في الأداء مشاركة مع المغني: "يا سعود مر من الشهر خمسة وعشرين ما شفت خلي " وقد اتبع ذلك فهد بورسلي : "يا سعود بس من الهوى يا سعود مليت شومي ولومي" وقد أفاد من ذلك الشيخ عبد الله السالم (المحتجب) في رائعته من فن الخماري: "الله يا عوني ..يا والي الفرج .. يا عوني والله وعلاها يا رافع سبع السما واعلاها" ويمكن أن نضيف هنا إلى الطرق المبتكر عند بورسلي الذي طوره من السامري والحدو (فاعلاتن فعلن مستفعلاتن فاعلاتن فعلن) استثمر فن الترداد بطريقته الخاصة : "نحت أنا لو أبرا نوح الحمامة نحت أنا لو أبرا ما يطيق الصبرا يا مل قلب ما يطيق الصبرا" وقد شدا بها المغني عبد اللطيف الكويتي على صيغة بستة ثم أعيد تلحينها أو تنجيدها وتنتشر مع فرقة الفنطاس على إيقاع السامري والسامري الناقوز. وقد شدا من بعد المغنين الكبار عبدالله فضالة ومحمود الكويتي وعودة المهنا وعائشة المرطة بقصائد بورسلي كل نجاح سلام وحورية سامي، ثم المغنية عالية حسين من فن الخماري "آه يا روحي" (1979)، ومن بعدها سجل عبدالله الرويشد من ألحان راشد الخضر "يا هل السامر" (مجموعة ليلة عمر3 ، 1988)، وسامرية "يوم ونيت" (ليلة عمر 4، 1992) ضمن شرائط الكاسيت المخصصة لمختارات من التراث. وبهذا يكون الحمد قد تمكن في هذا الكتاب من إنجاز كتاب يحقق أكثر من أمر هو إعادة نموذج حيوي من الثقافة الشعبية في المنتصف الأول من القرن العشرين لا زالت تتناقل قصائده السياسية صوتياً في المواقع العرض الصوتي والمرئي، والمواقع الاجتماعية تتناقل مقاطع من شعره غدت أمثالاً عابرة كما أنه في وقت كتابة هذه المقالة سجل كل من الملحن الكويتي محمد بودلة والمغني البحريني خالد فؤاد سامرية "جزى البارحة" للشاعر فهد بورسلي ومن تلحين وأداء عبدالله فضالة، وإنما بطريقة جديدة لا تقتل الروح الأصلية وإنما تحاول توظيف الوسائل الجديدة لنقلها إلى جيل جديد يجسِّر العلاقة مع "الفنون الأدائية" التي غدت من أرشيف التراث الثقافي غير المادي لكنه حي ولا يموت!