يقدم الكاتب والروائي الكويتي حمد العبدالمحسن الحمد كتاباً عن "فهد راشد بورسلي شاعر الكويت الشعبي: رحلة الإبداع والتمرد والمعاناة" "جداول، بيروت، 2015". وقد سبق أن أنجز كتاباً عن شاعر آخر "فايق عبدالجليل: رحلة الإبداع والأسر والشهادة" "آفاق، الكويت، 2014"، وقد ظهر في الكتابين أسلوب بدا يتضح عند الكاتب في تأليف كتب السيرة الغيرية، يعتمد على استعراض المصادر والمراجع بحسب المادة المتوافرة، سواء في حياة الشخصية أو ما كتب لاحقاً بعد وفاته، في دور استقصائي لا يخلو من أساسيات البحث في حدوده المتعارف عليها، ويهدف إلى رسم صورة تاريخية وثقافية عن تلك الشخصية، ويعد فرصة للتعريف المتجدد بشخصيات كبرى من "الثقافة الشعبية" في منطقة الجزيرة العربية. إذ يمثل الشاعر فهد بورسلي "1918-1960" علامة من علامات "الثقافة الشعبية"، ما أدعوه ب "الثقافة النجدية" بفروعها في وسط وشمال وشرق الجزيرة العربية - أو الخليج العربي - هذه الحلقة التاسعة. وبما أن محمود الكويتي وبورسلي من قاطني منطقة الشرق فإنه أدعى إلى اللقاء والتعاون سوياً، وقد ذكر الكويتي، بأنه مولع بالغناء والعزف والتلحين مبكراً، منذ أن عمل في صباه في بوم المنصور - سفينة تجارية تنقل تمور العراق إلى الهند - ما بين عامي 1927- 1930، وهي ملك لأحمد العبدالمحسن الخرافي، أي قبل أن يفتتح دكان التتن "السجائر"، ثم عمله في إذاعة الكويت منذ عام 1951، ومن بعده افتتاحه محل بيع الآلات الموسيقية -خصصه لبيع وصيانة آلة العود- حتى أواخر حياته. وأنه تمكّن بحسب سفراته تسجيل أغانيه منذ نهاية العشرينيات أي عام 1927 في القاهرة ثم بومبي 1929 ثم بغداد أي في عقود منتصف القرن العشرين الأول ما قبل أن يعمل في إذاعة الكويت عام 1951، ومن ضمن تلك الأعمال السامريات والبستات التي اعتمد فيها على شعر فهد بورسلي فهذا دليل على أن جمع الديوان "السامريات والفنون للشاعر الشعبي فهد بروسلي" "1951" كان لاحقاً، ولم يسمِّه بذلك إلا لأن تلك القصائد المبتكرة في طروقها وفي بعضها مطورة لقصائد سابقين مثل محمد بن لعبون، وضويحي الهرشاني، وفهد الخشرم، تؤكد أنها تحولت إلى أغنيات مع عبدالله فضالة ومحمود الكويتي وعودة المهنا وعائشة المرطة. وقد حصرت الأعمال الغنائية الكاملة لمحمود الكويتي بإعداد الأستاذ صالح الغريب "محمود الكويتي عائق العود والنغم، الكويت، 2003"، وتضمنت قصائد فهد بورسلي، وهي: "البارحة ساهر والدمع يجري" "في ثلاثة ألحان"، و"ما يفيد الصبر"، و"يا ناس دلوني" "أدتها حورية سامي وحمدان الساحر"، و"يوم الاثنين الضحى"، ويا هل الشرق"، و"يا الله تجبر خاطر المكسور" "أدتها نجاح سلام". إضافة إلى: "شقول يا أهل الهوى شقول"، و"سلموا لي على اللي سم حالي فراقه"، و"محمود تاه الراي محمود". ولكي ندلف إلى عالم الطروق أو العروض في الشعر الشعبي الكويتي أستعين بكتاب "دراسات جديد العروض بالشعر الشعبي الكويتي" "2000" للأستاذ عبدالرزاق العدساني. إذ اختار شعراء ملحنين أي من واضعي "الشعر المغنى" في الكويت، من بينهم فهد بورسلي، مثل: محمد بن لعبون، وعبدالله الفرج، وضويحي الهرشاني وحمود الناصر وأحمد الجابر، وفهد الجافور، ويعقوب الغنيم. وقد رصد مستحدثات الطروق أي العروض التي لم يسبق أن وجدت في "الشعر المغنى"، ولعل استيعاب كل من اختار تلحين تلك القصائد إلى أن يدمجها ضمن "الفنون الأدائية"، ويحقق ما يجعلها منسجمة ومتآلفة مع تلك الأنماط الصلبة العصية في كثير من الأوقات على التكيف، غير أن الوعي بأنه يمكن إعادة توليف حركة الحرف ورنينه وبنية الجملة الشعري مقابل درجة النغمة ومسافات الزمن في الإيقاع لخلق الانسجام الصوتي الذي أنتج "الفنون الأدائية" بقوالبها حسب البيئات والمناسبات والوظائف الاجتماعية، ومن ثم أنتج "الأغنية" بحسب ألوانها التقليدية والتعبيرية والراقصة والتمثيلية.