حين استضافت إذاعة قطر في برنامج: "سهرة خاصة" (2011) الذي يقدمه خالد الشيخ، الحنجرة النجدية الضائعة محمد المسباح – كما أطلقت عليه في كتابي "سحارة الخليج" (2006)- سجل لها مجموعة من تراث فن الصوت والفنون اللعبونية، وهي مسجلة بأصوات مغني المنتصف الأول من القرن العشرين مثل عبداللطيف الكويتي وعودة المهنا. ومنها فن زبيري "شفنا المنازل مثل دوي الفضا" المنسوبة للملا سعود المخايطة (1900-1971)، وهو كتبها بذكرى الطاعون بحسب ما ذكر في ترجمته حمد السعيدان في "الموسوعة الكويتية المختصرة" (1992-1993)، وهو يدعى سعود بن عبدالعزيز الياقوت، من بيت أسرة اشتهرت بخياطة البشوت، وكان شاعراً ومغنياً وضارب إيقاع (السعيدان، 1993، 787)، وقد تعلم وأفاد من يوسف البكر وضاحي بن وليد بحسب ما ذكر خالد سالم محمد في كتابه "في التراث الغنائي الكويتي وأعلامه" (2007)، ونعتمد عليه في ذكر سيرته تالياً.. وقد صاحب المطرب الكبير عبداللطيف الكويتي في رحلته الأولى 1927 لتسجيل الأسطوانات في بغداد وسجل وقتها أكثر من أسطوانة، وتضمنت: صوت عربي: هم حملوني بالهوى فوق طاقتي، صوت خيالي: أمانا أيها القمر المطل، وصوت خيالي: أتهجرنا وأنت لنا حبيب. كذلك صاحب عبد الله فضالة ومحمود الكويتي إلى الهند في تسجيلاتهما الأولى، وفي رحلة أخرى صاحب محمد بن فارس وضاحي بن وليد إلى بغداد عام 1932 لمصاحبتهما بالإيقاع وسجل بصوته بضع أسطوانات أخرى. وهي فن لعبوني: يا علي صوت بالصوت الرفيع، وختام: لمن الخدور على الكثيب المعتلي، وخماري: دمعي تحدر من الموق، وصوت زنجباري: يحيى عمر قال أخو جابر خرج، وصوت عربي: أنوح إذا الحادي بذكركم. والغريب برغم قلة تسجيلاته وندرتها، وذلك ربما يعود إلى تفوق مغنين عليه، ولا ينكر أن عبداللطيف الكويتي وعبدالله فضالة تسيدا الثلث الأول من القرن العشرين دون منازع لمزايا لم تتوفر لسواهما. وأنقذ تسجيلاته تعطش المستمعين في الخليج العربي للنوادر أعاد أعماله مجدداً بعد أن كشف عنها بعض الباحثين المنقبين مثل مبارك العماري في البحرين حيث أثبت اطلاعه بوجودها موثقة في أرشيف سجلات شركات الأسطوانات في العشرينيات والثلاثينينات التي سجلت له مثل أوديون، وhis master voice، (سالم، 2007، 135)، وقد نشط عازف الكمان أحمد الصالحي في تحميله تلك النوادر عبر موقعه "زرياب"، وتسربت إلى youtube وباتت متوفرة الآن.. وما يلفت هو أن هناك حيرة في نسبة القصيدة، ومحاولة حثيثة، من قبل أعضاء خفافيش، وبلا سند شفوي أو ورقي ثقة، في مواقع ألكترونية تنفي نسبتها عن ملا سعود المخايطة، والملفت أنه لم يسجلها بصوته وإنما عرفت بصوت الكبيرة عودة المهنا، ويعرف أن من أسرار الفنون اللعبونية أنها ذات نمط أدائي وإيقاعي ثابت ويدور إما على مقام واحد (وهو السيكا) بحسب ملاحظة المعلم الكبير غنام الديكان في كتابه "الإيقاعات الكويتية في الأغنية الشعبية" (1995) في جزئه الأول وإما على لحن واحد متواتر يتم التلوين عليه وإعادة تركيب قصيدة عليه، وتلفت قصيدة "شفنا المنازل" بأنها مكتوبة على البحر المسحوب (السريع)، مثل قصيدة شهيرة "مسكين يا قلب براه الهوى" لحمد بن مغلوث (1850-1918)، وهو من بحور الدرجة الثانية في جرات الربابة لكنه ابتدأ تسرب المسحوب إلى الفنون بسبب الحداء الأقرب إلى الموال، وغناء الفنون كلها من خماري ولعبوني ونجدي وحساوي وزبيري، مع اختلافها الإيقاعي تلزم الأداء المتقن أو بلغة أهل نجد "الطرق الطويل"، وهو يتطلب جهداً عضلياً ونفساً طويلاً وتمكناً مطلقاً من أجناس المقام وضغوط تفاعيل الإيقاع. ولا ينكر أن من برع بفن الخماري، وهو الأصعب في صيغته التقليدية، الكبيرة عودة المهنا، وعواد سالم، ولم ترثه منها في الربع الأخير من القرن سوى سناء الخراز بفضل براعة أحمد باقر وغنام الديكان في تلقينها إياه عبر عملين رائعين "شيلوا الغناوي"(1980)، والآخر"حقق الله" (1986) ضمن الصور الغنائية التي تؤدى في احتفالات العيد الوطني الكويتي.