قبل التوقف عند السعر العادل للنفط الذي أشار إليه معالي وزير البترول يوم الثلاثاء الماضي في منتدى الطاقة في العاصمة الصينيةبكين، والذي هو بحد ذاته موضوع جدال، دعونا نلقي نظرة سريعة على رواية أو بالأصح رؤية المملكة للأسباب التي أدت إلى انخفاض أسعار النفط. فالباحثون في هذا الشأن أيضاً غير متفقين على الأسباب التي أدت إلى ذلك الانخفاض. فعلى الخلاف من أصحاب نظرية المؤامرة، الذين يعتقدون أن انخفاض أسعار النفط قد جاء للكيد بإيران وروسيا، ترى المملكة أن تراجع أسعار النفط يعود إلى ارتفاع أسعاره التي وصلت في يونيه من العام الماضي إلى 115 دولارًا للبرميل. فهذا السعر المغري قد شجع المستثمرين على توظيف رؤوس أموالهم في صناعة الطاقة المتعددة بما فيها تلك المصادر ذات تكاليف الإنتاج المرتفعة مثل النفط الثقيل والنفط الصخري وتشغيل الحقول في المناطق القطبية والمياه العميقة. مما ترتب على ذلك زيادة العرض في الوقت الذي كان فيه الطلب على النفط يتباطأ أو ينخفض نتيجة للازمة الاقتصادية كما هو الحال في أوروبا. فإذا أضفنا إلى ذلك أن البلدان المستهلكة للنفط تدرك قبل غيرها قلة مرونة الطلب على النفط. بمعنى انها لا تستطيع عندما ترتفع أسعار هذه المادة الخام من خفض الطلب عليها الا بذلك المقدار الذي لا يعوق دوران دولاب الصناعة فيها. ولذلك فهي تستغل الفرصة عندما تنخفض أسعار الذهب الأسود لزيادة مخزونها منه. وهذا هو بالضبط ما حصل الأمر الذي أدى إلى طفحان العرض وانهيار الأسعار بأكثر من 60% خلال النصف الثاني من عام 2014 وأوائل عام 2015. ورغم ذلك فإن هذه الرواية لا تكتمل دونما التطرق إلى ما توقف عنده معالي الوزير بخصوص حرص المملكة على تثبيت سعر عادل للمنتجين والمستهلكين على حد سواء-والذي يعتبر حجر الزاوية في سياسة المملكة النفطية. ففائض الطب، مثلما نعرف، كان بالإمكان تصحيحه من خلال خفض الإنتاج. ولكن هذا، كما رأينا، لم يحدث على الفور. فالبلدان المنتجة للنفط خارج منظمة الأوبك حاولت التصرف في البداية وكأنما الأمر لا يعنيها. ولكن حبلها في هذا المجال قصير. فنحن ندرك أنه عندما يكون هناك فيض في إنتاج أي سلعة فإن آلية السوق تصحح الخلل عبر انخفاض الأسعار. الأمر الذي يجبر أصحاب التكاليف المرتفعة إما الخروج من السوق نهائياً أو على الأقل تقليص انتاجهم حتى يتوازن العرض مع الطلب. وعلى الأرجح فإن معالي الوزير يعني هذا الجانب عندما أشار إلى "السعر العادل للنفط". فحومان السوق نحو إيجاد سعر عادل للنفط هو الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في الفترة الأخيرة وإن بشكل تدريجي. فالمخزونات من النفط قد بدأت في نهاية الربع الأول بداية الربع الثاني من هذا العام تتأكل أو بالأصح تتقلص من ناحية. كما أن انهيار أسعار النفط، التي دعمها ارتفاع سعر صرف الدولار، قد قلص من الفاتورة التي تدفعها البلدان المستوردة للنفط مثل الصين التي تأتى لها خلال 6 شهور فقط توفير 100 مليار دولار. وهذا بدوره سرع من دوران دولاب الاقتصاد وارتفاع الطلب والأسعار على النفط. هذه هي باختصار الرواية السعودية لارتفاع وانخفاض أسعار النفط. وهي رواية قوية ومتماسكة بامتياز.