المتابع لما يحدث في سوق الأسهم السعودي يلاحظ وباستغراب شديد الارتفاع الكبير في أسعار أسهم معظم الشركات التي يتم تداول أسهمها بالسوق وخصوصا أسعار الشركات الصغيرة والخاسرة، والتي بدأت منذ أكثر من ستة اشهر عندما بدأت موجة ارتفاع أسعارها من مستويات ال (120) ريالا و (150 ) ريالا، وبدأ حينها جميع المحللين والخبراء بالتحذير من الدخول في تلك الشركات بشراء أسهمها والمضاربة فيها، باعتبار ان نتائجها المالية لا تشجع على شراء أسهم تلك الشركات بالأسعار العالية، وقد أوضح أكثر من محلل مالي مشكوراً خطورة ذلك بتحليل القوائم المالية لتلك الشركات وأرباحها وخسائرها وارتفاعات أسعار أسهمها غير المعقولة. وأمام إغراء تلك الأسعار وتحذير المحللين الماليين والخبراء من ذلك الارتفاع، قام عدد كبير من ملاك أسهم تلك الشركات ومنهم من كان يملك السهم منذ أيام الاكتتاب ببيع أسهمهم للظفر بتلك الأسعار، إلا إن الذي حدث كان على غير المتوقع، فقد تضاعفت الأسعار أكثر وشعر من باع أسهمه بأنه تعرض لخدعة كبرى، خاصة اذا علمنا انه كلما زاد التحذير إعلاميا تعرض سوق الأسهم لنزول كبير لأسعار أسهمه، وحينها يتذكر المتداولون انهيارات الأسعار للأعوام الماضية، والتحذيرات من تضخم تلك الأسعار، فيتم البيع بشكل كبير في أسهم الشركات الصغيرة او التي شهدت أسعار أسهمها زيادة كبيرة قبيل فترة انخفاض الأسعار، وفي الوقت الذي يؤكد فيه المحللون والخبراء - الذين يعتقد كثير من المتداولين بأنهم متخصصون واكثر خبرة منهم - في اللقاءات التلفزيونية اثناء التداول بأن الأسعار لابد ان تصحح وتعود الى مستوياتها الحقيقية، وقد حدث هذا الأمر عدة مرات هذا العام وكان بشكل حاد لبعض الشركات عندما هبطت أسعار بعض الشركات لمدة (3) أيام متتالية أول شهر رمضان لهذا العام بالنسب الدنيا . وللأسف كانت الصدمة كبيرة لمعظم المتداولين، وخاصة من باع أسهمه هربا من نزول اكبر، عندما عادت أسعار تلك الشركات لترتفع من جديد، ووصلت بعضها إلى الارتفاع وبالنسبة العليا، وبعضها ارتفع إلى مستويات أعلى مما وصلت إلية قبل نزول أسعار الأسهم بالسوق او ما يطلق عليه تصحيح !!. إن ما يزيد الأمر غرابة هو مطالبة الخبراء للمتداولين بالبعد عن أسهم المضاربة وما ينشر بالمنتديات الاقتصادية من أخبار وتوصيات والاتجاه للاستثمار في الأسهم القيادية ذات العوائد والنمو، بينما واقع السوق اثبت عكس ذلك، وتبين لاحقاً صحة بعض الأخبار المؤثرة التي ذكرها كتاب متميزون بتلك المنتديات قبل ارتفاع أسعار أسهمها، كما ان رغبة كبار المضاربين عملت بعكس التوقعات للحصول على أعلى الأرباح نجحت ولعدة اشهر بان أسهم الشركات الخاسرة والمضاربة هي التي ترتفع قيمة أسهمها عدة أضعاف، وبنسب لا تقارن بالقياديات التي إما ان تستقر بأسعار ثابتة، او ان يتم خفضها وبمئات الريالات أحيانا لانتزاعها من ملاكها ليتمكنوا من اللحاق بالأسهم الأخرى التي تشهد ارتفاعات عالية، او للضغط على المحافظ الممولة من البنوك وهو الاغلب لكون تمويلها غالبا لأسهم قيادية. السؤال الذي دائماً يطرح : هل فعلا تعرض صغار المتداولين الى خدعة من الخبراء والمحللين الماليين؟ إن الإجابة لا تحتاج إلى بحث كبير فالأمر واضح إذا أخذنا الأمر بحسن نية وهو ما نأمله، فان معظم المحللين الماليين لم يرتكبوا خطأ مقصوداً عندما حذروا من ارتفاع تلك الأسعار منذ اشهر، فالتحليل المالي لمعظم الشركات بالسوق يفيد بان أسعار تلك الشركات متضخمة ولا تتناسب مع أرباح كل شركة، بل على العكس من ذلك معظمها تحقق خسائر وليس أرباحا، حتى إن بعض المحللين خرجوا من التحليل المالي لأرقام القوائم المالية إلى إضافة جوانب أخرى للتقييم تتعلق بالوضع العام للسوق وارتفاع أسعار النفط والسيولة المالية وقلة قنوات الاستثمار والنمو المتوقع لكل شركة لإيجاد مبرر منطقي لرفع مستوى سعر السهم الى المستوى المعقول لكل شركة، إلا إن صناع السوق وكبار المضاربين استغلوا العامل النفسي للمتداولين والشعبية الكبيرة لبعض المحللين، وأصبح كلما تم تجديد التحذير من تلك الأسعار كلما تم اقتناص أسهم صغار المتداولين بأسعار اقل، ومن ثم يتم رفع تلك الأسعار الى مستوى أعلى استغلالاً لحقيقة ثابتة وهي ان المتداول بالسوق عندما يبيع أسهمه فانه لا يخرج ماله من سوق الأسهم، بل يعود ليشتري أسهمه -او أسهم أخرى- بأسعار أعلى من سعر بيعه ! ان التفسير لما يحدث يمكن ان يكون في الاتي: 1- ان نظرة المحلل المالي للشركات وأسعارها تختلف عن نظرة كبار المضاربين او المستثمرين، فالمحلل المالي يحكم على الشركة من واقع قوائمها المالية والارباح المتحققة المعلنة، و يحدد نطاقا معقولا لسعر التداول للسهم، بينما جميع المتداولين بما فيهم كبار المضاربين يعلمون بان السوق لو اعتمد على المعلومات المالية المعلنة فانه سيتم تحديد نطاق سعري ضيق لحركة السهم، وبالتالي لن يتمكنوا من رفع قيمة السهم واحداث تذبذب عال يمكن من خلاله تحقيق أرباح مجزيه لمن يضارب بالسهم، وسيكون سوق الأسهم في هذه الحالة مملا وغير جذاب للمتداولين. 2- ان كبار المضاربين يعمدون للحصول على الأخبار المؤكدة (وليست الشائعات ) التي تعتبر محفزة للسهم مثل أخبار زيادة راس المال بالمنح او بالاكتتاب او تحقيق أرباح عالية تشغيلية او استثنائية، ويتم الاستئثار بالمعلومة للتجميع في أسهم تلك الشركة، إلا ان الخبير او المحلل المالي لا يعلم ما يخبأ سهم الشركة من مفاجآت ولذلك يعتبر ارتفاع سعر السهم مجرد مضاربة او شائعة لأنه لا يتعامل الا مع حقائق ثابتة ومعلنة، وبعد الإعلان عن ذلك رسميا ينتهي محفز السهم ،ويصبح بعد ذلك بيع السهم تصريفا من المضارب. 3- إن المحلل المالي لديه أرقام القوائم المالية المعلنة لفترات مالية منتهية، ويتم التحليل والحكم على مستقبل الشركة بناء عليها، ولكن قد تكون هناك معلومات ايجابية داخليه بالشركة يعتمد عليها المضارب، الذي غالبا ما يكون إما رئيس او عضو مجلس الإدارة او شخصا مؤثرا على إدارة الشركة بحكم ملكيته لكمية كبيرة من أسهم الشركة، وبالتالي تلك المعلومات تتم الاستفادة منها، بينما المحلل او الخبير لا يأخذ ذلك بالاعتبار لأنها غير رسمية، وعندما يظهر الأثر المالي في القوائم المالية اللاحقة يكون السهم قد استفاد من المعلومة سلفاً، ومن ذلك مثلا بيع الشركة لأراض او أسهم مستثمرة بشركة أخرى وتحقق من ذلك أرباح بمئات الملايين، بينما الشركة عادة إما ان تحقق خسائر او أرباحا تشغيلية قليلة . 4- تمكن كبار المضاربين من الحصول على المعلومات او القرارات المؤثرة على السوق التي تصدر من الجهات المختصة قبل إعلانها وتوجيه مسار السوق لتحقيق اكبر استفادة ممكنة منها، بينما الآخرون بما فيهم الخبراء والمحللون يكونون في حيرة أمام ما يحدث بالسوق ولا توجد لديهم رؤية واضحة لما يحدث الا بعد اتضاح الأمر للجميع، ولعل الانخفاضات التي تحدث بالسوق قبيل نشر إلاعلانات التي تؤثر سلبا على السوق دليلا على ذلك. اعتقد الان وبعد ثبات أسعار تلك الشركات الصغيرة والمتوسطة لفترة طويلة نسبياً في مستويات عالية جداً وأصبحت أسعار أسهم تلك الشركات في مستويات ال(700) ريال لبعضها وال( 400و300) ريال للبعض الاخر، انه من غير المقبول ان يخرج علينا احد المحللين بعد هبوط تلك الأسعار - فيما لو حدث ذلك - بأنه سبق ان حذر من تلك الارتفاعات ( قبل سبعة اشهر او سنة)، لان الوضع مختلف وهناك فئة استفادت من المضاربة في تلك الأسهم وسارت مع اتجاه السوق حتى وان اعتبر ذلك خطأ في الأساس ولا يعد قاعدة عامة . إن الأمر المهم في هذا الموضوع هو هل هناك معلومة مازالت غير معروفة للجميع وتعتبر محفزة لجميع الشركات وهي السبب في ارتفاع أسعار تلك الأسهم، وان عدم علم المحللين بها هو الذي تسبب في خسارة صغار المتداولين او حرمانهم من الاستفادة من تلك الارتفاعات طوال تلك الأشهر ؟ أم ان الأمر هو انتظار ما يخطط له كبار المضاربين للخروج من أسهمهم وتركها لصغار المتداولين، كما كان يتم في السنوات الماضية، ومهما كانت الإجابة فان صناع السوق وكبار المضاربين لابد انهم مستقبلاً سيقومون باستغلال الفرصة المناسبة لهم لإعادة دورة الأسهم من جديد في الوقت الذي يكون فيه صغار المتداولين في قمة التفاؤل!!. ٭ متخصص مالي