عاش إنسان الجزيرة العربية متنقلاً راحلاً جوّاب أرض لا يعرف الاستقرار أو الارتباط بالمكان، يبحث عن المرعى يستقر في فضائه زمناً، ينعم بما تنبته الأرض من نباتات، ويسعى نحو الغدير وتجمّعات الغيث الذي تنتجه مياه الأمطار، وتسخو به السماء في مواسم باذخة العطاء تروي الأرض والإنسان والكائنات الحيوانية التي يعتمد عليها المرء في حياته ومعاشه ورفاه أسرته، وما يوفّر له إسكات الأفواه الجائعة في أزمنة الشدة والقحط والشح. لم يعرف إنسان الجزيرة العربية الاستقرار الزمكاني، ولم يرتبط بمكان يتآلف معه، ويتناغم مع ظروفه المناخية، وعطاءاته في العيش بل ظل هائماً ينزل في مكان ليغادره إلى آخر تبعاً لاحتياجاته اليومية وتفاصيل حياته المعيشية، لذا ظل هذا الفضاء الجغرافي مسرحاً للرحيل الدائم، أما الارتباط بالأرض والحنين للتراب وتفاصيل الجغرافيا وولادة حب وعشق دائمين بين قلوب، والتقاء كيميا أرواح، ووجْد مع المكان الذي يشكل مسرحاً لصياغة ثقافة وواقع الإنسان، كل هذا كان غير موجود، ولهذا فقد الولاء والانتماء والارتباط بالأرض، وكان الشتات العدمي للكائن، وبالتالي عدم الاستقرار الروحي والحياتي. بزغ فجر عبدالعزيز بن عبدالرحمن الذي وحّد الجزيرة العربية وجمع شتات الإنسان والجغرافيا وصاغهما في نسيج متعاطف ومتآلف، وكان أول عمل رؤيوي جبار هو إنشاء الهجر والتجمعات البشرية ليكون الاستقرار وولادة ثقافة ومفهوم الارتباط بالأرض، فنشأ مفهوم الاستقرار والولاء والانتماء مع المكونات البشرية للمجتمع، وترسّخ حب الأرض كوطن وهوية وولاء تجري في نسغ الإنسان. وكبر هذا المفهوم وتجسد في ثقافة ووعي النظام السياسي لتقوم المدن العسكرية توطّن الناس في التجمعات وتتناغم مع معطيات الحياة الجديدة والتحضر والرفاه وتغرس فيهم وفي نفوس النشء من الأجيال حب الارتباط بالأرض كمكوّن هوية وانتماء، وممارسة الاستقرار المكاني كعامل من عوامل التحفيز على الإنتاج والعطاء وخدمة الوطن في مجالات الحياة، وعلى كل الصعد. إذن: الارتباط بالأرض والمكوّن الثقافي والحياتي والإرث الحضاري من أهم العوامل التي تجعل معنى المواطنة هاجساً عند الإنسان، ويكون إبراز وتجسيد الهوية الوطنية وعياً في داخله، فإذا استقر الإنسان في مكان تفرّغ للإنتاج وخدمة الوطن، وهذا ما يدركه الرجل الرؤيوي وعقل الحكم الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يعرف المعاناة القاسية التي يعيشها الشباب في توفير الاستقرار والبحث عن سكن يشيع الراحة النفسية عند الأسرة السعودية. لقد جاء قرار حكومة الملك سلمان بن عبدالعزيز بفرض رسوم على الأراضي البيضاء بداية لقرارات هادفة لتكريس راحة الناس، وتحفيز مفاهيم استقرارهم، وليكون المواطن في أمن حياتي ومعيشي يساهم في البناء والعطاء. لمراسلة الكاتب: [email protected]