صنّاع التاريخ، ومبدعو صياغة الكيانات السياسية والجغرافية والبشرية، ومنتجو الوعي الإنساني وتأسيس المعرفة الحضارية هم قلة تبرز كالشهب المضيئة تضيء سماء الكون بين زمن بعيد وآخر، لايتكررون كثيراً، ولا يتواجدون بشكل عادي ومتوقع وغير لافت للمتابع والمراقب والمعايش للحقبة الزمنية بظروفها وأحداثها وتفاعلاتها، هؤلاء العظام المؤثرون قلة في ذاكرة الشعوب وتاريخ الأمم، يأتون في ظروف ومناخات يبعثون في التاريخ حياة مختلفة ومغايرة للسائد، ويسجلون في صفحاته إعجازاً من المنجز الحضاري، ويفتحون في مسيرة الإنسان دروباً من التفكير الخلاق والمبدع والمساهم في رخاء وسعادة وتطلعات البشر على اختلاف شرائحهم الاجتماعية. صناع التاريخ، وعظماء القادة قلة في ذاكرة التاريخ وبالذات التاريخ العربي المعاصر، يأتون لينبتوا المجد، ويزرعوا أطر ومناهج ورؤى وخطط العمل المستقبلي الذي ينتج إنساناً وجغرافيا وكياناً سياسياً مؤثراً في توجيه السياسة الدولية، واتخاذ القرار الأممي، ومساهماً في منجز الحضارة والحداثة للبشر. ومن هؤلاء القادة العظام وربما الوحيد في ذاكرة وصفحات التاريخ المعاصر الملك المؤسس، والمناضل الشجاع عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وجزاه عن إنسان الجزيرة العربية خير الجزاء، الذي صنع معجزة تاريخية كبيرة، فوحّد جغرافيا ممتدة من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، وجعل منها قوة حقيقية فاعلة، وجمع شتات قبائل ومناطق متناحرة متباعدة لاتجمعها روابط، وتتنازع على مرعى أو مورد ماء، أو شعب من الشعاب تتوفر فيه مقومات حياة للعشيرة أو القبيلة أو التجمع البشري، وصاغ علاقة مواطنة حقيقية، وانتماء وولاء لأرض وإنسان، وأوجد قيمة لمعنى هذا الانتماء والارتباط بين مناطق مختلفة في أنماط حياتها ومعيشتها وثقافتها الاجتماعية، وارتباطاتها العائلية وزيجاتها ومفاهيمها في النظرة للعيش والتحضر. عبدالعزيز بن عبدالرحمن صانع تاريخ مبهر، وصانع أول وحدة في التاريخ العربي المعاصر، ورجل نضال طويل من أجل إقامة الأمن وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر في جغرافيا لافرق بين صغيرهم وكبيرهم ولا بين من ينتمي إلى منطقة وأخرى، ولا بين حضري وبدوي، كلهم يرتبطون بالأرض بقلوبهم وجوارحهم ومشاعرهم. لقد أقيم قبل أيام المؤتمر العالمي الثاني عن تاريخ الملك عبدالعزبز في الرياض، وستكون البحوث والدراسات والمناقشات ثراء للذاكرة عن تاريخ الرجل العظيم، وإن كنت أسجل بأن الباحثين والدارسين ومراكز البحث والتوثيق لاتزال مقصرة في تسجيل تاريخ الموحد الذي يستحق عملاً كبيراً وجباراً. لمراسلة الكاتب: [email protected]