كلما دخلت إلى المكتب في كل صباح مشرق بالجمال تجد وردة حمراء جميلة وبطاقة صغيرة بها كلمة واحدة تحمل أروع المعاني، ولا تعلم من صاحبها ومن أرسلها.. وكلما سألت الموظفين لا تجد الجواب الشافي.. اعتادت ذلك، وبدأت تتفاعل مع رحيق الوردة وعذوبة الكلمة الشفافة.. وفي أحد الأيام وقف رجل شبه دميم أنيق الثياب أمام امرأة جميلة القامة، حسنة المظهر.. دنا منها وألقى التحية بكل احترام وأدب، رفعت بصرها نحوه.. فرأته بصورة لا ترضي عينيها وسألته بلسان مذاب بالارتباك والقشعريرة معاً: - بماذا أخدمك؟ وضع الملف أمامها.. - أرجو أن تنهي هذه المعاملة المهمة يا آنسة نادية.. تعجبت من ذكر اسمها على لسانها بسهولة وخفة.. - أتعرف اسمي أيها السيد؟ ابتسم بلطف وأجابها بأنه موظف مثلها ولكن في قسم آخر.. عندئذ أدركت كل شيء وأمرته أن يعود غداً حيث الأعمال متكاثرة لديها.. وقد لمح في عينيها سهاماً مزقت مشاعره وجرحت فؤاده.. في اليوم التالي دخل ولم يجدها، فوضع وردة حمراء وفوقها رسالة صغيرة، ثم خرج.. ولما دخلت وجدت الوردة وفوقها تلك الرسالة، فأخذتها وقرأت ما فيها..: (حبيبتي هذا ما كنت أخشاه، لما حان موعد اللقاء وقلبي بين يدي أقدمه هدية من طبق الأشواق المزخرفة بلؤلؤ الحب الصافي، وجدت ما كنت أحسب له حساباً، جرحتني نظراتك ومزقت مشاعري بسكاكين بريقها الحاد الأثر، جرح قضى على روحي الرقيقة وحطمت كل آمالي وأحلامي ولم يبق لي سوى ذكرى جمالك وهمسات عشقك الساحر). في بداية الأمر لم تفقه مراده، وأعادت قراءة الرسالة مرة تلو المرة حتى فهمت المعاني، وحللت محتواها الخفي عندما تذكرت ذلك الشاب الدميم، وكيف فزعت من منظره المخيف.. - آه.. من هذا العذاب، لو كنت صرّحت عن شخصيتك لاستقبلتك بما يفرح قلبي الرقيق.. آه لو تعلم أنني أحببتك من خلال ورودك الجميلة، وهمسات حروف الكلمات الموقعة على كل بطاقة ترسلها. وانقطعت الرسائل والورود فجأة، ما أرعب قلبها العاشق وأصبحت حياتها عذاباً وتوتراً مع خوف لا ينقطع شهوراً وأياماً وهي تترقب رسالة واحدة، أو وردة تسقي روحها الجافة التائهة، والأمل في أعماقها يوحي بأنه سيكتب.. شهوراً وأياماً تتردد على مكتبه فلا تجد له أثراً، وبعد أيام عادت أنهار روحها تسري وتتجدد في أعماقها، لما جاءت رسالة زلزلت كل مشاعرها..: (حبيبتي حاولت وجاهدت ولكني لم أستطع، حاولت نسيانك ولكنك تعيشين في قلبي وروحي، وصعب إخراجك منه، حبيبتي عذراً فكل همس في جوارحي ينطق باسمك وكل فكرة في عقلي تردد ذكرك، كل نفحة خيال تظهر لي صورتك الجميلة..). قبلت الرسالة ومضت نحوه بحرارة شوق وهيام، فوجدته حزين القلب، مهموم النفس.. تقدمت نحوه وهمست بصوت الحب الصافي: - اشتاقت روحي لرسائلك وورودك الجميلة التي كالهواء و الماء لمشاعري يا..... رفع بصره نحوها وقام والدهشة شلت عقله قبل لسانه.. - لا تقل شيئاً فأنا علمت بالحقيقة.. أجابها بحزن عميق: - ولكني دميم الشكل فكيف ذلك؟ وكيف يقبلني قلبك ومشاعرك المرهفة الحس؟ قالت وهي تتحسس بعض بقايا الورد في يدها: - وأناأحببت روحك الطاهرة فهي الأجمل..