صدر أول دفتر رخصة سياقة أو قيادة على ما نعتقد في السبعينات الهجرية محتويا على ما يقارب العشرين صفحة مقسمة بين بيانات السائق وتعليمات المرور والمخالفات المستوجبة للغرامة التي تراوحت بين السجن والغرامة حتى كان هذا الدفتر بمثابة سجل متكامل بكافة أنظمة المرور وتعليماته بما فيها إيماءات أو إشارات اليد المتعارف عليها بين السائق ورجل المرور في الشارع وصفحات بيضاء لتحرير الوقوعات والمخالفات المرورية التي يتم ضبطها من قبل رجال قلم المرور بشكل فوري حتى كان بعض السائقين عندما تتراكم عليه المخالفات يعمد الى نزع أوراق ( الوقوعات ) المعطوبة أو يخفي الرخصة كاملة ويدعي فقدانها حتى يتجنب جزاء سحب الرخصة من ناحية وحتى لا يشمت به أقرانه الذين يعتبرون صفحات الوقوعات تلك مقياسا لمهارة السائق وحصافته وجاءت الصفحات الأولى في الرخصة تحمل جملة من التعليمات والتنبيهات الهامة لسائق السيارة من أبرزها ( نصا ) : أن لا يقف في المنعطفات والمنحنيات – أن لا يستعمل السير إلى الخلف في الشوارع التي ( فيها مرور كثيرة ) – أن لا ( يتعدى ) سيارة أخرى في منعطف أو مفرق – في حالة وجود موقف مهم في الشوارع ( المطروقة ) يجب الوقوف على قدر الإمكان بالجانب الأيمن – على سائقي السيارات عدم الوقوف في الأماكن ( المجعولة ) للجمهور – إنه ( مخطر ) إذا أراد سائق سيارة أن يضايق سيارات أخرى في طريق كثير المرور – وأخيرا يجب الطلوع والنزول من السيارة من جهة اليمين للمحافظة من الخطر !! ومن ضمن المخالفات التي يعاقب عليها النظام وتدون في سجل وقوعات الرخصة بمبلغ 110 قروش سعودي أو بالحبس أسبوعا لأول مرة هو كما جاء نصا في قائمة المخالفات : سوق السيارة دون أن ( يستحصل ) على رخصة السواقه – استعمال رخصة غيره – إعطائه الرخصة لغيرة – تحريفه أو تبديله في الملاحظات المكتوبة في رخصته – سيره في طريق ممنوع السير فيه – سيره بدون منبه – عدم وقوفه أمام مراكز الشرطة و (الكوشان) أو عدم إصغائه لأوامر مأموري الشرطة والتفتيش - كذلك يعاقب السائق لأول مرة بمبلغ 55 قرشا أو السجن أربعة أيام : عند السير بدون توازن – بدون نور خلفي – بنور واحد – السير على الشمال – استعمال رقم كاذب – عدم وجود نمرة بالسيارة – السير بدون أن يكون حاملا رخصة السواقه معه – عدم الوقوف حين طلب الشرطة – عدم إسكات المنبه عند نفور الجمال – محاولة تعدي إحدى السيارات في طريق ضيق – عدم إخبار مخافر الشرطة عن السيارة التي صادفها معطلة – السماح لأحد بالركوب على أجنحة السيارة – نقل أشخاص أكثر من العدد المقرر- عدم الوقوف حين مرور ( المواكب ) سيارة جلالة الملك المعظم أو نائبه أما العقوبات المغلظة التي يعاقب مرتكبها بمبلغ جنيهين ذهب أو السجن ثمانية أيام فقد جاءت : إذا أخذ مبلغا من الركاب أكثر من الأجرة – أو تعمد إيقاف السيارة في الطريق بقصد تعطيل الركاب كذلك يجازى السائق بمبلغ 200 قرش سعودي أو السجن 12 يوما إذا سار بسرعة داخل البلد أكثر من السرعة المحددة ( 15 ) كم وبمبلغ 220 قرشا سعوديا أو السجن ثمانية أيام إذا كانت فرامل سيارته غير محكمة . عبارات بسيطة وغير متكلفة تكرر فيها ذكر المنبه موضوع حلقتنا لأكثر من مرة خصوصا العبارة الشهيرة (عدم إسكات المنبه عند نفور الجمال ) والتي لابد أن تكون قد اختيرت من قبل المشرع تحت ضغط اجتماعي أو عاطفي أو كليهما لكنها في كل الأحوال بقيت لترصد علاقة الهوس الازلية بيننا وبين البوري التي تنامت جيلا بعد جيل مرورا بزمن راعية الابل التي كانت لا تزال تغني عند مراتع إبلها كلما تذكرت حبيبها الذي كان قد التحق عاملا بإحدى شركات التنقيب مرني موتر(ن ) يلعب الزمار ليتني نقشة ( ن) في دركسونه وإلى أن تحولت البواري إلى أداة للصراخ والتأديب في شوارعنا وظاهرة تخلف عند إشارات المرور دون أي ضوابط ودخلت تصنيفات المراهقين والمعتوهين بين بوري قصير للشكر وطويل للشتيمة واللعان وآخر للاحتجاج ورابع للفرح ولازمتنا حتى خارج حدود بلدنا لدرجة أن أشقاءنا في الخليج يتنبهون أثناء سماع صوت البوري عند الإشارة المرورية إلى وجود سيارة وسائق سعودي. في أحد اللقاءات التلفزيونية مع رجل الأعمال الشيخ / عبد الرحمن الجريسي ذكر حكايته الطريفة مع صديقه ومعلمه الاسترالي صاحب الدراجة النارية الذي كان يدرسه اللغة الانجليزية فذكر أن معلمه هذا جاء إليه يوما من الأيام ليبلغه عن قرب سفره لاستراليا للتمتع بإجازته السنوية والزواج , وكان يحمل صندوق هدايا صغير أشار إلى ان بداخله هدية لخطيبته في استراليا فتوقع الجريسي أن تكون هدية قيمة - قطعة ذهبية على سبيل المثال أو قطعة تراثية من البيئة السعودية , لكنه تفاجأ عند ما فتح العلبة بأن هديته عبارة عن ( شريط كاسيت ) عندما بادر بتشغيله أمامه وعلى قولة الجريسي فانه لم يجد في هذا الكاسيت أي شيء يمكن فهمه ما عدا ( طيط .. طاط ) وهي أصوات منبهات وبواري سيارات العاصمة وصخبها المسائي , وعند ذلك دعاه الفضول أن يسأل صديقه الاسترالي مستغربا عن سر هذه الهدية الغريبة وهل تليق بخطيبه أم أن في الأمر شيئاً آخر . عند ما أوضح له معلمه الاسترالي ان خطيبته عندما أخبرها بقرب قدومه وطلب منها اختيار نوع الهدية طلبت أن يأتي لها بأي شيء غريب في السعودية غير موجود لديهم فلم يجد أغرب من بواري السيارات وضجيجها الذي لا ينقطع وعلى ذلك فقد حمل جهاز التسجيل بعدما سد أذنيه بالقطن ووقف عند ناصية أحد شوارع العاصمة مغرب أحد الأيام تاركا لجهازه التقاط معزوفات البواري مما هب ودب حتى امتلأ الكاسيت .