دراسة جديدة - نشرت قبل فترة بسيطة - أشارت إلى وجود 900 مليون قطعة غير مستعملة داخل بيوتنا في السعودية.. قطع تتراوح بين الجوالات والكاميرات والأجهزة الإلكترونية، إلى الملابس والأثاث والأدوات المنزلية.. وقدرت الدراسة أن قيمة هذه "الأشياء" تتجاوز 370 مليار ريال سعودي - وهو مبلغ يفوق ميزانية "شوية" دول إفريقية! وأعتقد أن هذه الدراسة تؤكد أننا شعب مهووس بالتسوق وأن "الشراء" أصبح لدينا نوعاً من المتعة لا الاحتياج - ولاحظ رحمك الله كيف امتلأت أسواقنا فجأة بمجرد سماعنا بنزول الراتبين.. والإسراف في الشراء - وتكرار النزول إلى الأسواق - حالة تصيب فئة من الناس تجمع بينها صفات مشتركة مثل الفراغ والشعور بالنقص وحب الظهور وإدراك تأثير السلعة (فالفرق بين الكامبري والبنتلي أن الأخيرة تأتي مع ضمان المنزلة الاجتماعية)! والحقيقة أن في علم النفس مايعرف "بإدمان التسوق" الذي قد يتحول إلى حالة مرضية تدعى "اونيومانيا".. والعجيب أكثر؛ أن هناك عقاقير خاصة لمعالجة هذه الحالة لا تختلف من حيث عملها عن الأدوية المضادة للاكتئاب (مثل البروزاك) التي تزود الدماغ بمادة السيروتينين (وهي ناقل عصبي ضروري لتعديل المزاج)! ويعاني مدمن التسوق من حالات فرح قصيرة تعقب الشراء سرعان ما تتحول إلى كآبة وشعور بالذنب بمجرد الانتهاء من فتح الأكياس. ورغم أن المدمن يدرك خطأ ما يفعل ولكنه لا يتجرأ على التخلص من السلع المتراكمة فيحاول إخفاء القديم عن الناس.. وما لم يكن ثرياً ويغرف من بحر فإنه يقع في ورطة حقيقية تتمثل في عدم قدرته على الموازنة بين دخله المتواضع وشبقه للتسوق! ورغم أن النساء يشكلن معظم ضحايا هذه الحالة (بدليل تخصص المولات في الأغراض النسائية) يثبت الواقع إمكانية تحول الرجال أيضاً إلى مدمني تسوق.. فالقادرون قد يدمنون شراء السيارات الفاخرة، والبسطاء قد يكتفون بالعطور والجوالات - وبين هؤلاء وهؤلاء حمقى يعتقدون أن الإسراف في الولائم من مظاهر الجود والكرم. ومن الملاحظ عموماً أن إدمان التسوق ينتشر بارتفاع مستوى الرفاهية في كل مجتمع ؛ ففي أوروبا مثلاً لا تقل نسبة هذه الفئة عن 5٪ من السكان، وفي ألمانيا توصلت دراسة أعدتها جامعة شتوتجارت إلى أن 10٪ من كامل الشعب الألماني يعاني من هذه الحالة - غير ملايين ينكرون وجودها أصلاً. ورغم أنه لا توجد دراسات خاصة بالسعوديين (ربما باستثناء الأرقام التي بدأنا بها المقال) من الواضح أن "نزلة السوق" أصبحت متعتنا الرئيسية خلال أشهر الدراسة.. حتى يبدأ موسم الهجرة ألى الخارج أثناء الإجازات! وبيني وبينكم احترت فعلاً في كيفية ختم هذا المقال.. هل أُذكركم مثلاً بآيات وأحاديث تنهى عن الإسراف (تعرفونها جميعكم) أم أنصحكم بالكف عن زيارة الأسواق والمولات (سيتجاهلها جميعكم)!؟ ولكن؛ حتى يغير الله أمراً كان مفعولاً أنصحكم مبدئياً بتنظيف منازلكم، والتصدق بأفضل مالديكم... وخذوها قاعدة: الشيء الذي لم تستعملوه منذ عام، لن تحتاجوا إليه في قادم الأعوام.