قلبت كثير من النساء مفهوم العصمة في يديها بشأن امتلاكها محفظة للنقود في يديها، وحولته إلى خنجر يطعن الثقة في إدارتها دفة التسوق في المراكز التجارية، ليخرجن من البوابات وقد ألقين لفظ الطلاق على كل ما حوته محافظهن، دون أن يبقين على نافذة واحدة للتراجع. وبين عشية وضحاها تحولت بعضهن إلى مدمنات في البذخ على التسوق، ليتحولن إلى خانة المرض النفسي، في وقت بقيت الكثيرات من النساء (مكتملات العقل) في الإمساك بدفة التدبير؛ ما يثير السؤال: هل عصمة المرأة تجاه المال إسراف، أم الخلل فيمن لا تعرف قيمة المال؟ متعة التسوق دكتورة حنان آل عامر تستمتع بالتسوق سواء في السوبر ماركت أو المراكز وأحيانا سوق الخضار أو السجاد، المهم أنها تتسوق لتدخل على نفسها السرور (حسبما ترى)، كما تعتبر آل عامر أن التسوق يدخل السعادة على النفس (حسب وصفها). أما آسيا آل حيدر فتعترف بأن التسوق أصبح هوسا لكل السيدات وانتقلت العدوى إلى البنات، وقالت: “إن البنات يلححن على الأمهات لاصطحابهن إلى الأسواق لمتابعة الجديد؛ حتى يكن أول المتسوقات”. لكن اعتراف استشاري الطب النفسي والعصبي الدكتور محسن الدرديري في هذا الموضوع، يبدو أنه من رأي آخر؛ حيث أكد أن التسوق أصبح أحد الأمراض النفسية والاجتماعية، وقال: “تشكل هذه الظاهرة المرضية نسبة عالية في أي مجتمع، وتبلغ نسبة 6 في المئة، وهي أكثر انتشارا لدى النساء من الذكور”. وأضاف: “تتميز هذه الحالة بتدني المعنويات والثقة بالنفس والقلق، ويؤدي السلوك اللاإرادي الاندفاعي (عبر العقل الباطن اللاواعي) تجاه الشراء بإسراف إلى تخفيف القلق مؤقتا، ويتلازم مع هذه الحالة أحيانا الكآبة والوسواس القهري والهوس المرضي المتميز بالاندفاعية وتدني القدرة على التحكم في السلوك”، مشيرا إلى أنه “لسوء العاقبة يعزف المريض عن مراجعة الأطباء لسنوات طويلة تمتد إلى عشر سنوات، بعد استنزاف كل طاقته النفسية والمالية واضطراب علاقته الشخصية والعملية الناجمة عن الاستنزاف المالي، أو المديونية، والإلحاح على الشريك كزوج أو أب أو أم بمواصلة الإمداد المالي. وغالبا ما يمتلك الشخص الواقع تحت وطأة هذه الحالة عددا كبيرا من بطاقات الصراف الآلي”. ويرى الدكتور الدرديري أن هذه الظاهرة السلوكية للأسف باتت تنتشر في مجتمعنا بشكل صارخ من خلال التسوق فيما يسمى بالمولات والأسواق الشعبية والمحال التجارية، التي استطاع أصحابها استقطاب واصطياد بذكاء من يعاني هذه الحالة من خلال ما يسمى ب(التنزيلات). وقال: “يستحوذ الشعور القهري (الاندفاعي) على حياة الشخص للشراء والتسوق، فيقع المتسوق تحت ضغط عدم المقاومة، رغم إدراكه خطورة الانهيار المالي، وعواقبه وما سيلحق به من تبعات سلبية، فيقبل على الشراء، حتى وإن كانت قدراته المالية أقل بكثير مما سيشتريه، وينتهي به الأمر إلى إنهاء رصيده المالي أو الاستدانة وتراكم الديون أحيانا، والمهم في الأمر أنه يشعر بنوع من الاستمتاع واللذة والسعادة أثناء التسوق. ويضيف: “بعد كل عملية هوس شرائي فإن المتسوق المريض يشعر بتكدر المزاج العالي، وبضياع الوقت والندم والشعور بالذنب؛ ما يؤدي إلى اضطراب في علاقاته الاجتماعية، والعمل الوظيفي والمديونية العالية التي تؤدي إلى الإحباط والدخول في الحلقة المفرغة؛ لأنها تزيد من شدة هذا النوع من الشعور بالتوتر العصبي الشديد (الاندفاعية)”. أين العلاج؟ ويؤكد الدكتور الدرديري أن هذه الحالة توصف بأنها شديدة الحساسية وضعيفة الاستجابة للعلاج، بسبب أن المرض مزمن، وبحاجة إلى فترة زمنية طويلة من العلاج الدوائي والسلوكي، ولسوء الحظ فإنه في أغلب الأحيان لا تتم السيطرة على الحالة بشكل مجدٍ. وقال: “يجب على المرأة إذا لاحظت تخبطها في هذه الظاهرة المرضية التعرف على نمطية نفسها بصراحة؛ لأنها تعاني الاندفاعية، ولتتذكر أنها تسلك سلوكا غير طبيعي يهوي بها إلى الهلاك النفسي والمالي والاجتماعي، وأنها أصبحت من المسرفين، وأنها في هذه الفترة الاندفاعية السلوكية تتدنى بصيرتها، وتعرض نفسها للهلاك، ومن يعيش معها من أفراد أسرتها أو الذين تعولهم حتى إن كان وضعها المالي مرتفعا، فلا بد أن يأتي يوم يتصاعد فيه التسوق لبضاعة باهظة الثمن مثل السيارات والأثاث والملابس والكمبيوترات والأجهزة الكهربائية والسلع الغذائية”. وأضاف: “ستلومين نفسك أيتها المسرفة، لن ينفع معك العلاج النفسي، وستدخلين في دجى أنفاق الكآبة والقلق؛ ومن ثم الحسرة؛ والدليل قوله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا). ترويض الاندفاعية واعتبر الدكتور الدرديري أن الفرصة ما زالت في (عصمة النساء)، وقال: “تستطيع أن تجير هذا النوع من الاندفاعية اللاإرادية إلى أنماط أكثر نفعا لها ولعائلتها والمجتمع مثل الرياضة، وإقامة العلاقة الاجتماعية السوية، ومساعدة الآخرين، والقراءة، والعمل، والثقافة، وممارسة الفرائض الدينية، ومشاهدة التلفاز أو الإنترنت، وهذا سيجعلها ظهيرة على القلق والإحباط والكآبة. وكلما عودت نفسها أكثر تلاشت هذه الظاهرة، وارتفعت المعنويات وثقتها بنفسها وقدرتها على ترويض الاندفاعية، وواقعها، وازدادت نفعا لها، وللمحيطين بها، نفسيا واقتصاديا واجتماعيا”. واختتم بتأكيد أنه يجب على المرأة أن تبدأ من هذه اللحظة قبل أن تهوي سلوكيا ونفسيا، وتجرف من يعتمدون عليها من أبنائها وزوجها الذين ينتظرون المستقبل.