في طفولتي عرفت (بساط الريح) من ألف ليلة وليلة وحمزة البهلوان، وكم تمنيته! يا لسذاجتي! فقد كنت وقتها أملك بساط الريح وماهو أسرع منه بكثير وكان يحملني قبل أن يرتد لي طرفي الى عوالم أبعد من قدرة أي بساط خرافي: كان جسدي في الرياض ورأسي مع هارون الرشيد، وكانت عيناي على سطور ألف ليلة وأنا أطوف العالم مع السندباد، وكنت أُصغي بشوق لشهرزاد وأنا مُجَنِّح مع الصبايا من كل الجنسيات! ملكات جمال! ومع الملاحة والجمال فهن شاعرات! وأديبات! ذوات ذوق.. ورقة.. ودلال!.. كل هذا -وأكثر- بسبب الخيال الذي تبعثهُ القراءة في رأس الانسان! وهو خيال خارق يفوق بساط الريح ألوف المرات! يفوقه في السرعة والإمكانات! الخيال لا يسافر بك في المكان فقط كما يفعل البساط! بل يسافر بك ايضاً في الزمان! سافر بي الى العصر العباسي والأموي والأندلسي بل وإلى (جزائر واق الواق) التي لم تطأها قط قدم انسان! يسافر بك فقط؟! بل ويجعلك تسامر من تريد: سامرت علية بن المهدي وولادة بنت المستكفي وشجرة الدر وقطر الندى! وحاورت الشافعي والمتنبي والبحتري والزير سالم! وجالست قيصر وكسرى والإسكندر الأكبر! وتشرفت بلقاء هارون الرشيد والمأمون والمعتصم وسيف الدولة! وحضرت أشهر الزواجات في التاريخ كزواج (بوران) من (المأمون) والذي كلف ميزانية دولة، وزفاف (قطْر الندى) التي هي اسم على مسمى، وتذوقت أنواعاً من الطعام غير معروفة الآن، وعشت تقاليد عجيبة اندثرت من زمان!. ورغم أن الفضائيات الآن تنقل العالم كله لغرفتك إلّا أنها تقصّ أجنحة الخيال، فلا شيء كالقراءة تهبك أروع خيال.. والخيال في غاية الأهمية للإنسان يجعل آفاقة أوسع وتعاطفه أصدق وتسامحه أرحب، الإنسان بلا خيال نظارة بلا عينين.