في الرواية العالمية الرائعة عالم صوفي يتحدث جوستاين غاردرعن سر الدهشة عند الأطفال وعلاقتها بالفلاسفة، ففي مجتمعنا اليوم السؤال المدهش كالتالي: ماذا فعل الطفل الذي يعيش إمكانات التواصل والتطور مع أسرة تمكث على أطراف الماضي؟ بل الأهم من ذلك الاستمرار والنمو لاعتبارات العصر الحديث، والانطباعات النفسية الناتجة عن هذه المتغيرات في تاريخ الأسرة والوالدين، وكيف يتعلم الطفل مما يدور حوله من الاعتقادات والأدلة والمعطيات والبراهين التي يعايشها بمعية الترسيخ والتلقين وبريق الدهشة الحائر الذي يلمع في عينيه. وعادة ما تؤثر فصول الحياة المختلفة على توجه الطفل وتصوره مهما ارتبطت حياته بمحيطه الأسري أو الخارجي ويقول مؤلف المعرفة العقلية والانطباعات النفسية للطفل يحيى محمد: (إن القضايا العقلية تمر بمرحلتين أولهما واقعية والأخرى منطقية، حيث تبدأ المرحلة الواقعية عند الصغر، فتنشأ لدينا بفعل العادة انطباعات نفسية لمختلف المعارف العقلية والحسية، فالطفل يولد وهو يرى الأشياء على وتيرة ثابتة مالم تتغير لأسباب خارجية، كما تتكون ناشئة بسبب العادة، فأغلب معارفنا القائمة على الانطباعات إنما تنشأ بسببها، وهي تشكل الأساس الذي تتولد من خلاله معارف الطفل بما فيها العقلية منها والعادة لديه لكي تبقى أساس معارفه لا المنطق)، كما هو الحال في ظروف وملابسات الحياة الأسرية وحصول الطلاق والانفصال بين الأبوين وما يتعرض له الطفل من عوامل ذات آثار نفسية حادة أو فقد أحد الأبوين بموت أو سجن. فالعقل يصدر البيان والنفس تعد القرار وتكوّن مجموعة تفاعلية من الإدرك والرغبات إذا امتزجت مع بعضها وكونت خليطاً معرفياً أو منطقياً ذا نتاج يتبين به الحق من الباطل، وفي حالات أخرى تضع العقل في وعاء النفس لتخلق مرحلة صراع بين ما يجب وما يكون فهناك حقيقتان هامتان لا يمكن تجاوزهما، ودور رئيس في التأثير الطبيعي على الشخصية إحداهما تعاني من فصام والأخرى مستسلمة لكل ما تتلقاه من معارف غريبة تتولد عنها عقيدة مغلقة أو عنف يخلق عصياناً دفيناً. وبالرغم من توسلاتنا إلى تغيير المناهج القديمة وتحديث التعليم إلا أننا أغفلنا أشياء عميقة تعرض الطفل فيها إلى محن عاصفة كتمرد والده على الواقع وتزمته وتحول فكره إلى عقيدة متشددة وارتباط وجدانه وعاطفتة بها ارتباطاً كلياً، فيعكس هذا الطفل ما يعايشه وما يُفطر عليه. فكيف لنا أن نستثمر الميادين الفكرية والمعتقدات الموروثة والعادات الجميلة والقيم التي ترفع شأن الإنسان وتمجد لغته كهوية تزرع وجوده وحضارته على أرض العالم، وتتجاوز الخلل الذي اعترى بعض أطياف المجتمع والترنم الزائف بالربيع العربي الذي بعثر أغلب المساحات العربية وزرع بين طبقات أراضيها ألغاماً موقوتة قابلة للانفجار، بدافع أطماع غربية تريد تفكيك المنطقة وتشعل الثورات من الداخل، وانطلت تلك الحيل على بعض العقول، فأصبحت المطالب غريبة، وانعكس ذلك سلباً على أسرهم ومعارفهم وبيئتهم ومجتمعاتهم. لقد حرص الأوائل على تأديب الطفل وتعليمه وتربيته على الطاعة والاحترام والنصائح الدينية فبات حرصهم على نظام تربوي شامل ولكن دون حوار أو أهمية للآخرالصغير، لذلك يجب بناء ثقافة الطفل من البيت وتشكيل هويته الذاتية بقواعد سليمة تقوم على التمهيد للمتغيرات الخارجية وفق استيعابه وعبقريته فإن العبقرية لا تورث بل تُصنع، فكل ما يتوجب على الأسرة مراعاة نفسية وإبداع وخيال الطفل ليعكس صورة مجتمع واع متحضر.