يقال بان "الأمن أهنأ عيش.. والعدل أقوى جيش" وربما أن هاتين العبارتين لخصتا حاجة اليمنيين والشعوب التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني، وشيوع الفوضى والحروب والصراعات التي بسببها ضاقت أحوال الناس، وانتشر الفساد، وتدهورت الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وتزايدت أعمال العنف والإرهاب، وتصدعت وحدة الشعوب والقلوب، وتمزقت الأوطان وتفتت، وتلاشت كياناتها الوطنية، وتخلخل نسيجها الاجتماعي، وأتاحت المجال للمتربصين بالأمة للتدخل في كل شؤونها وتحديد مساراتها، بما يتفق وإستراتيجيتهم المعادية، وظلوا يعملون على إضعاف العرب وإشغالهم بأنفسهم وبصراعاتهم العبثية، والدفع بهم نحو مزيد من الضعف والهوان؛ إن لم يكن الانهيار؛ لأنهم لا يريدون أن يمتلك العرب أسباب قوتهم ونهوضهم، وأن يكون قرارهم الوطني مستقلاً ومعبراً عن روح الانتماء القومي الصادق. لقد صوّرت الشاعرة السودانية(روضة الحاج) حال الأمة البائس في مقطوعة شعرية معبرة عن عمق الألم المسكون في النفوس حين قالت: يسرقون الكحل من عين القصيدة تنكئين الآن جرحا كنت أحكمتِ وصيده يا ابنة الحرف الموشى بالخزامى بعبير الشيح في الأرض السعيدة بحَّ صوتي وأنا أبكي بلاداً سرقوها بالمواثيق الجديدة قسمي قلبي إذا كنتِ تريدين انقساما كلما نودي: (يا زول)، التفتنا لهفة.. وَجْداً.. وحباً.. وحنينا يا بلادي؛ آه يا كلي وبعضي يا معي.. هل أنتِ ضدي؟ فأنا أطلب التأشيرة اليوم بأرضي قلتِ ماذا؟ إنما يسرقون العين في تلك القصيدة سرقوا (صنعاء) في بهجتها سرقوا (دارفور) من ثروتها سرقوا (لبنان) من روعته سرقوا (الجولان) من عزته سرقوا (الصومال) من إخوته و(العراق) الحر من هيبته سرقوا (السودان) من وحدته و(فلسطين) المجيدة و(بلاد الشام) من فرحتها إنما الأرض ستبقى وتثور طيننا يمكن أن يصبح نارا طيننا يمكن أن يصبح نورا. لقد اختزلت هذه المقطوعة الشعرية بعضاً من مآسي الأمة.. وما تعانيه شعوب دول ما سمي بالربيع العربي الذي قضى على ما تبقى لديها من آمال لتجاوز الواقع المرير الذي كانت تعيشه تلك الشعوب، وما عانته من قهر وظلم وتهميش وفقر وتخلف، وتكميم للأفواه.. ووأد للحريات، ولكن ذلك الربيع أفرز واقعاً أكثر مأساوية وأشد قتامة وظلماً وكبتاً، عنوانه القتل والدمار والخوف والرعب وكل أنواع المآسي المريرة التي يصعب التعافي من جراحاتها وآلامها وأوجاعها بنفس سهولة التدمير والتخريب والقتل الذي أحدثناه في أوطاننا وفي نفوسنا وقيمنا. اليمن.. ليس أفضل حالاً.. وإن كان أكثر بؤساً وفقراً، أثقلت كاهله الصراعات وما خلفته من المآسي والآلام، لقد سألني صديق عزيز.. ومفكر عربي بارز مهتم بشؤون اليمن.. قائلاً: "كنا دائماً نقرأ ونسمع بأن اليمن يوصف بالسعيد، وكنا حينما نكتب نقرن كلمة السعيد باليمن، فلماذا حولتم سعادة بلادكم إلى تعاسة،؟ وإلى أين أنتم ذاهبون بوطنكم وبشعبكم، أما يكفيكم تناحراً وحروباً وصراعات لم تتوقف منذ بداية ستينات القرن الماضي إلى اليوم.. ألا يمكنكم وضع حدٍ لمآسيكم وآلامكم التي لا تسر صديقاً؟ ثم أين حكمتكم أيها اليمانيون.. وأين نتائج حواراتكم التي ادعيتم أنها ستعالج كل مشاكلكم؟ فأنتم أهل الإيمان وأهل الحكمة.. وأصحاب الأفئدة اللينة كما وصفكم الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه؟" لم أجد جملة مقنعة أرد بها على صديقي وأستاذي العزيز الذي كان صوته مصحوباً بالألم والحزن لما آلت إليه الأوضاع في وطنه الثاني (اليمن) ولم أملك إلا الدعاء بأن يجنبه الله ووطنه وشعبه كل المكاره والأخطار التي نعيشها نحن في اليمن بفعلنا، وبما صنعناه بوطننا، وتخلينا عن قيم التسامح والتعايش والمحبة والإخاء، واستبدالها بثقافة الاغتيالات والقتل والعبوات المتفجرة والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والحقد والكراهية.