أكتب هذا المقال يوم السبت وسينشر صباح الاثنين وخلالها قد تتغير أحوال السوق والنفط. فالأربعاء والخميس الماضيين شهدا من التصريحات المهمة مالم يتحمله السوق دفعة واحدة. فوزير المالية السعودي قال بحيادية تامة ان الحكومة ستواصل الإنفاق و وان النمو سيكون ايجابيا وان القطاع الخاص سينمو. نحن نمشي عكس الدورات الاقتصادية وأمامنا تحديات. ووزير النفط السعودي وضع النقاط على الحروف بعد صمت طويل، حيث جاء تصريحه متأخراً بعض الشيء. فالتصريح كان يجب أن يكون قبل ثلاثة شهور على الأقل حتى يلجم التكهنات التي راجت حول استهداف ايران وروسيا، وفي نفس الوقت أوصل رسالة واضحة للسوق ولمنتجي النفط ذوي التكلفة العالية في أن عليهم أن يراجعوا حساباتهم، فأوبك لن تكون يوماً ما منتجاً مرجحاً، خصوصا بعد دخول الكم الهائل من النفط من خارجها. ورغم ذلك فإنه وعلى ضوء هذين التصريحين ارتفعت الأسواق بنسب لم نشهدها منذ عشر سنوات، حيث اقتربت الارتفاعات من 10%، وارتفع النفط 5% مرة واحدة يوم الجمعة الماضي. ويمكن القول ان الأسواق أصبحت أكثر حساسية لما ستقوم به السعودية خلال هذا الاسبوع، والذي يبدو أنه سيكون أسبوعاً حاسماً، ففيه ستشهد السعودية اعلان موزانتها لسنتي 2014 و 2015، والتي أتوقع عجزا بنحو 60 مليار ريال في الأولى، و 150 مليار في الثانية. وهي عجوزات مقبولة ولا تتعارض مع تصريح معالي وزير المالية، فالانفاق سيتواصل بقوة على الاحتياجات الاساسية (التعليم والصحة ورفاهية المواطن)، وسيسد العجز بالسحب من الاحتياطيات أو الاقتراض، وكلاهما خيارات جيدة، ستنطوي على تكاليف سنعرف أهميتها بعد اتخاذ قرار آلية سد العجز المتوقع. وستحافظ المملكة على نمو حقيقي جيد في 2014 قد يصل 3.5%، لكن النمو الاسمي سينخفض بشدة قد يتجاوز 20%، بينما ستشهد 2015 نمواً أقل قد يصل الى 3%. وفي مجال النفط، فارتفاع أسعار النفط الأمريكي كان ملحوظاً في يومي الخميس والجمعة عطفا على انخفاض المخزون الأمريكي وتصريح معالي وزير النفط السعودي وتأكيده على أن لا تراجع في موقف أوبك عن الحفاظ على حصص السوق مهما تدنت الاسعار. فيبدو أن الشركات الأمريكة فهمت الرسالة جيدا وبدأت بالعمل على تقليص الانتاج، فعليها أن تناور وتحافظ على توازنها بعد تقييمات سلبية لسنداتها، وانخفاض أسعار أسهمها بأكثر من 40%، مع استمرار التوقعات السلبية بنمو الطلب على النفط. وعلاوة على ماترك تصريح الوزيرين السعوديين من أثر، فقد ساهم في ارتفاع الأسواق خلال نهاية الأسبوع الماضي قرار الاحتياطي الفيدرالي ببقاء أسعار الفائدة كما هي لمدة غير معلومة بعد أن تزايدت التكهنات بقرب ارتفاع مفاجئ لأسعار الفائدة عطفا على نمو الاقتصاد الأمريكي المتسارع، ما طمأن الاسواق وساهم في ارتفاعها بشكل قوي. وكان لإعلان سابك توزيعات أرباح بثلاثة ريالات للنصف الثاني 2014 صدى جيدا على تمتعها بسيولة جيدة وتدفقات نقدية مستقبلية قد تمكنها من الاستمرار في التوزيعات المجزية رغم تراجع أسعار منتجاتها بشكل كبير. لقد كان الأسبوع الماضي استثنائيا، وقد يكون "طارئاً" كما قال وزير النفط السعودي في أن اسواق النفط تمر بحالة "طارئة" في اشارة الى عودة الأسعار للارتفاع، وحتى تنتفي هذه الحالة الطارئة ويحدث العكس فإننا مقبلون على أسبوع آخر قد يكون حافلا بالمفاجآت فالحكومة السعودية ستعلن أرقام الموازنة وأرقام النمو، وسيكون بمقدور المحللين استشفاف أسعار نفط الموازنة السعودية، وقراءة مستقبل النمو للسنة القادمة بشكل أفضل. وستمر أسعار النفط خلال الأسبوع القادم باختبار آخر رغم اجازات نهاية العام للشرق والغرب، حيث سيكون لمستويات المخزون الأمريكي مساهمة أخرى في توجه اسعار النفط حتى نهاية العام. وتترقب الاسواق ايضا إعلان الأرباح للربع الأخير والسنة المالية بأكملها، فالتكهنات ستتزايد عن الأرباح حتى نهاية الإعلانات في الثلثين الأولين لشهر يناير. كل هذه المؤشرات ستؤكد بشكل كبير ما اذا كنا نمر بحالات طارئة واستثنائية أم أننا مقبولون على عام صعب بتحديات كبيرة.