تحدث علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية في مؤتمر الطاقة العربي العاشر المنعقد في أبو ظبي، خلال الفترة 21-23 ديمسبر 2014، في كلمة تناولت السياسة البترولية السعودية والتعاون العربي في هذا الزمن المتغير، شكر فيها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة على تفضله برعاية هذا المؤتمر وحكومة وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة وسهيل بن محمد المزروعي وزير الطاقة على الجهود الطيبة لإنجاح المؤتمر. وقد تناول النعيمي وضع الطاقة خلال السنوات الأربع الماضية بقوله: "لقد عُقد مؤتمر الطاقة العربي السابق في مدينة الدوحة بدولة قطر الشقيقة في منتصف عام 2010م، ومنذ ذلك الوقت حدثت متغيرات كبيرة في الاقتصاد العالمي حيث نما من نحو 65 تريليون دولار إلى 77 تريليون دولار، وزادت أهمية الدول الناشئة في الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند والبرازيل، بحيث أصبحت تشكل نحو ثلث الاقتصاد العالمي. كما شهدت غالبية الدول العربية نمواً اقتصادياً يفوق معدل نمو الاقتصاد العالمي. وارتفع الطلب على البترول بحوالي خمسة ملايين برميل يومياً. وشهدت أسعار البترول استقراراً غير مسبوق من عام 2010 إلى منتصف 2014. جشع المضاربين كما شهد عام 2014 تطورات مهمة في الاقتصاد العالمي وفي الأسواق البترولية. لقد بدأ العام بتفاؤل كبير بوضع الاقتصاد العالمي ونمو الطلب على البترول، حيث قُدّر نمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.7%، ونمو الطلب على البترول بنحو مليون ومئتي برميل يومياً. وفي الربع الثالث من العام اتضح أن هذا التفاؤل أعلى من الواقع. فالاقتصاد العالمي لم يتجاوز نموه 3% مع استمرار المشاكل الاقتصادية في بعض الدول الرئيسة مثل أوروبا واليابان وروسيا، وانخفاض النمو عن ما كان متوقعاً في العديد من الدول الناشئة كالصين والهند والبرازيل. وبالنسبة للبترول فقد انخفضت توقعات زيادة الطلب إلى 700 ألف برميل يومياً، حدث هذا الانخفاض نتيجة لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي في وقت يزداد فيه إنتاج البترول من عدة مصادر مثل الزيت الصخري والزيت الرملي والمياه العميقة جداً (ما بعد طبقة الملح البحرية) وأغلبها مناطق ذات تكلفة عالية أن الأسعار المرتفعة خلال السنوات الثلاث الماضية والتطورات التكنولوجية أسهمت في توسع إنتاجها. عدم تعاون الدول المنتجة وجشع المضاربين السبب الرئيس لانخفاض أسعار النفط نتيجة لهذه العوامل انخفضت أسعار البترول بشكل حاد ومتسارع وقد سعت المملكة ودول الأوبك إلى إعادة التوازن للسوق إلا أن عدم تعاون الدول المنتجة الرئيسة خارج الأوبك مع انتشار المعلومات المضللة وجشع المضاربين بالأسهم في استمرار انخفاض الأسعار. ويضيف النعيمي: من المتوقع أن لا تستمر المناطق ذات التكلفة العالية في زيادة الإنتاج كما سيدرك المنتجون خارج الأوبك أن في صالحهم التعاون لضمان أسعار عادلة للجميع. كما ان الأسعار الحالية غير محفزة على المدى البعيد للاستثمار في مجال الطاقة بمختلف أنواعها. وقد انتشر في الآونة الأخيرة تحليلات ومقالات عن مؤامرة من قبل المملكة لأهداف سياسية باستخدام البترول وأسعاره ضد هذه الدولة أو تلك أو ضد هذا النوع من الزيت أو ذاك وأود أن أقول من هذا المنبر الهام إن الحديث عن مؤامرات مزعومة من قبل المملكة هو قول لا أساس له من الصحة إطلاقاً ويدل على سوء فهم أو مقاصد مغرضة أو تخيلات مشوَّشة في عقول قائليها إن سياسة المملكة العربية السعودية مبنيَّة على أسس اقتصادية بحتة لا أقلَّ من ذلك ولا أكثر". امدادات الطاقة وتناول المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية أوضاع الطاقة في الدول العربية بالقول: إن الحديث عن الطاقة وإمداداتها أمر في غاية الأهمية حيث تعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد فجميع شعوب العالم في حاجة للطاقة للحفاظ على نمو اقتصاداتها وعلى رخاء شعوبها، وفي هذه المعادلة فإن لدولنا العربية أهمية عالمية كبرى نظراً لما تمتلكه من احتياطيات البترول والغاز، حيث تشكل احتياطياتها من البترول (56%)، ومن الغاز الطبيعي (28%) من إجمالي الاحتياطي العالمي مع احتمالات عالية جداً بوجود احتياطيات من البترول والغاز لم تكتشف، وهذا يعني أن هذه المنطقة ستظل تحظى بأهمية خاصة في صناعة وتجارة البترول والغاز العالمية ولعدة عقود قادمة". المناطق ذات التكلفة العالية لن تستمر في زيادة الإنتاج.. والمنتجون خارج أوبك سيدركون أن صالحهم في التعاون كما تركزت كلمة الوزير النعيمي على ثلاثة محاور رئيسة تمثل الأبعاد الرئيسة للسياسة البترولية للدول العربية المنتجة والمصدرة للبترول قائلاً: "أولاً المستوى العالمي، فعلى الدول العربية المنتجة للبترول الاستمرار في دورها الإيجابي نحو استقرار السوق وتعزيز التعاون الدولي في هذا الشأن، فنحن ندرك اليوم ويدرك العالم معنا بأن الوقود الأحفوري ومن أهم مصادره البترول سيستمر في القيام بدور رئيس كمصدر للطاقة ولعدة عقود قادمة، ومن جانب آخر ومن منطلقات بيئية فإن علينا أن نعمل لجعل البترول صديقاً للبيئة من خلال التقنيات المتقدمة، وعلينا أن يكون حضورنا ومشاركتنا الدولية قوية وأن نستمر في تنسيق المواقف فيما بيننا بشكل إيجابي وعلمي في القضايا التي تهم البترول والبيئة. ثانياً، على المستوى الإقليمي، تواجه الدول العربية تحديات وقضايا متشابهة في الصناعة والسياسة البترولية وفي مجالات الطاقة بشكل عام، وهذا يعني ضرورة تعاونها. ولابد أن نسعى إلى تشجيع وتسهيل المشاريع والاستثمارات المشتركة التي يقوم بها القطاع الخاص، وأن نسعى إلى تطوير التعاون في التعليم الفني والدراسات والأبحاث في صناعة الطاقة وتبادل الخبرات في هذا المجال، وأن نتذكر دائماً أن العنصر البشري المتعلم والمتدرب هو من أهم ما نملك ولذا يجب ان يعتبر واحداً من أكبر اهتماماتنا. ثالثاً، على المستوى المحلي، يختلف الأمر من دولة إلى أخرى إلا أن لدينا جميعاً مسؤولية خاصة تجاه شعوبنا وهنا أود أن أتحدث عن الصناعة والسياسة البترولية في المملكة، حيث يعد القطاع البترولي محوراً رئيساً في الاقتصاد الوطني لما يزيد عن ثمانين عاماً، ولا يزال يشكل الحصة الكبرى من الناتج المحلي الإجمالي ومن صادرات المملكة ومن الإيرادات الحكومية. المركز الريادي للمملكة واستطاعت المملكة المحافظة على مركزها الريادي في الصناعة البترولية كأكبر مصدر للبترول في العالم، وباحتياطيات تصل إلى نحو (265) مليار برميل من إجمالي الاحتياطيات العالمية، كما طورت قدرتها الإنتاجية والتصديرية واستمرت في تطوير احتياطياتها من الغاز الطبيعي لتصل إلى نحو (300) تريليون قدم مكعب. أما من جانب التكرير، سترتفع الطاقة التكريرية لدى المملكة بشكل تدريجي من مليونين ومائة ألف برميل يومياً عام 2014، إلى ثلاثة ملايين وثلاث مئة ألف برميل في عام 2017، ويساوي هذا في الأهمية أن مصافي التكرير الجديدة ذات تقنية عالية قادرة على معالجة أنواع الزيت الثقيل ومرتبطة بتصنيع منتجات بتروكيماوية نهائية؛ فعلى سبيل المثال، لدى مصفاة رابغ الواقعة على البحر الأحمر، مجمعان صناعيان متطوران لإنتاج عشرات المواد البتروكيماوية المتوسطة والنهائية مع وجود فرص كبيرة للقطاع الخاص السعودي والعربي والأجنبي للمشاركة في هذه الصناعات التحويلية المتعددة. طاقتنا التكريرية سترتفع بشكل تدريجي إلى 3.3 ملايين برميل في 2017 كما أن لدى المملكة مشاريع خارجية مشتركة لتكرير البترول وتوزيع المنتجات في كل من الولاياتالمتحدةوالصين وكوريا واليابان". العلاقة بين الطاقة والبيئة ثم أشار وزير البترول والثروة المعدنية المهندس النعيمي إلى العلاقة بين الطاقة والبيئة، بالقول: "إن العلاقة بين الطاقة والبيئة لها أهمية محلية وإقليمية ودولية متزايدة. والمملكة العربية السعودية تحرص على المحافظة على البيئة وحمايتها حيث أصدرت نظاماً عاماً يُعنى بمتابعة الأنشطة البيئية ونشر الوعي البيئي وحماية الصحة العامة. وقد أكد هذا النظام على أهمية التخطيط البيئي في جميع المجالات ومعالجة ما قد ينتج من تلوث بيئي في البر أو البحر. والشركات البترولية العاملة في المملكة وعلى رأسها أرامكو السعودية تدرك بأن استمرار وازدهار أعمالها على المدى الطويل رهن بتبنيها ممارسات مسؤولة للمحافظة على البيئة. وتشاطر المملكة المجتمع الدولي الاهتمام بشأن تغير المناخ باعتباره يشكل تحدياً بعيد المدى وتدرك العلاقة المتبادلة بين تأثيرات التغير المناخي، وأهمية التنمية المستدامة لضمان نمو اقتصادي عالمي مستقر. كما أن المملكة تدعم توطيد التعاون الدولي في هذا المجال وتشجع استخدام آلية التنمية النظيفة باعتبارها وسيلة للحد من زيادة انبعاثات الغازات المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري. وقد قامت المملكة بإعداد خارطة الطريق بشأن تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، وكذلك تشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة، تمشيا مع بروتوكول كيوتو وانضمت للمنتدى الريادي لفصل وتخزين ثاني أكسيد الكربون إضافة إلى أن المملكة عضو في تجمع المملكات الأربع، الذي يضم بجانب المملكة كلا من بريطانيا،وهولندا والنرويج،لتطوير تقنيات فصل ثاني أكسيد الكربون وتخزينه. وانضمت المملكة لمبادرة الميثان العالمية للتعاون الدولي للحد من انبعاثات الميثان، وتشارك المملكة بفعالية عالية في جميع فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية للتغير المناخي". وانتقل بحديثه، من البيئة والمحافظة عليها إلى التقنيات ومراكز الأبحاث والدراسات، قائلاً: "في هذا المجال تسعى المملكة لتكون مركزاً عالمياً رئيساً في مجال الأبحاث ودراسات الطاقة من خلال الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة التي تقدم الدراسات العليا والأبحاث العلمية وترتبط مع المؤسسات المماثلة حول العالم، حيث تعتبر جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية إحدى أكثر جامعات العالم تقدماً في مجال الأبحاث العلمية والاختراعات، وتشمل اهتماماتها مجالات الطاقة. كما يعتبر مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية خطوة مهمة بهذا الصدد. وتُعد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وعلى مدى أكثر من نصف قرن علامة بارزة لإعداد وتطوير الخبرات المؤهلة والقيادية في مجالات البترول والاقتصاد كما تقوم الجامعات السعودية ومراكز الدراسات العلمية الأخرى بتطوير البحوث في مجالي البترول والطاقة والتعاون مع مراكز البحوث والتطوير في شركتي أرامكو السعودية وسابك، وغيرها. ونتيجة لاهتمامنا بالعلم والتكنولوجيا حصلت شركة أرامكو السعودية وسابك على الكثير من براءات الاختراع، وما زالت تتقدم بطلبات جديدة. الشركات البتروكيماوية وتعتبر المملكة إحدى أكبر الدول المنتجة للبتروكيماويات في العالم ولديها عشرات الشركات النشطة في مختلف مراحل الصناعات البتروكيماوية منها أربع عشرة شركة يتم تداول أسهمها في سوق الأسهم السعودية والمزيد منها سيتم طرحة قريباً، وتصل المنتجات البتروكيميائية السعودية إلى كافة أنحاء العالم، كما استطاعت شركة سابك تخطي العديد من الشركات البتروكيماوية العالمية، لتصبح الآن رابع أكبر شركة في العالم. وبجانب هذه الشركات الرائدة فإن هناك شركات جديدة ذات تقنية عالية، مثل شركة صدارة المشتركة بين أرامكو السعودية وشركة داو كيميكال الأمريكية، التي تم إنشاؤها عام 2007 وتشمل ستة عشر مصنعاً، حيث تعتبر حالياً الاستثمار الأجنبي الأضخم في المملكة. كما تشمل مجمعاً سيسهم في التنويع الصناعي من خلال توفير سلسلة من مختلف الصناعات البتروكيماوية والقيم الاقتصادية المضافة وخلق فرص استثمار في الصناعات التحويلية وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. لقد حققت المملكة عدداً من الإنجازات، إلا أن التحديات مازالت كبيرة في هذا العالم المتغير. كما أود أن أشير إلى أهمية التعاون العربي وتنسيق السياسات البترولية إقليمياً ودولياً والعمل معاً لمواجهة التطورات والتحديات المختلفة كما أنه يتوجب علينا الاهتمام بتنمية صناعات الطاقة محلياً والتركيز على العنصر البشري المتدرب والمتعلم وذي كفاءة ومهارة عالية والتركيز على الجوانب العلمية والتقنية مع الاستغلال الأمثل للميزة النسبية لدينا والمتمثلة في توفر الطاقة والطاقات الشابة. متفائل بالمستقبل واختتم النعيمي كلمته بقوله: "إنني متفائل بمستقبل المنطقة لما تزخر به من موارد طبيعية وبشرية متعلمة ومدرَّبة علمياً وتقنياً، ومتأكد بأن السوق البترولية ستتعافي من جديد مع تحسن الاقتصاد العالمي وتحسن الأسعار. وأود أن أؤكد للحضور أن التطورات التي حدثت خلال الأشهر الأربعة الماضية من حيث انخفاض أسعار البترول لن تؤثر بشكل ملحوظ وكبير، على اقتصاد المملكة واقتصادات غالبية الدول العربية. فالمملكة لديها اقتصاد كبير ذو أنشطة متعددة ومشاريع تنموية عملاقة مستمرة وعملة قوية مستقرة وسمعة وعلاقات اقتصادية دولية متميزة واحتياطيات نقدية عالية وإدارة حكومية فعَّالة واحتياطيات بترولية وفيرة وصناعة بترولية تعتبر واحدة من أفضل الصناعات في العالم، وطاقة إنتاجية بترولية فائضة ومقدرة متميزة في التعامل مع كافة التطورات البترولية".