دعوني أقول إن قناعتي تزداد يوماً بعد آخر بأن هناك عادات تمارس تأثيراً على الدين وعدالته وشموليته وأن موروثنا الثقافي والمجتمعي محرك قوي للمواقف والسلوكيات خصوصاً في قضايا المرأة للدرجة التي نجد فيها - أحيانا - من يلوي تعاليم الدين الحنيف لتصبح في خدمة عادات وقناعات موروثة ما أنزل الله بها من سلطان! والأمثلة الحائرة تتزاحم فلا يبقى من مجال إلا في التفكر بمتناقضاتها الصادمة والمتجاوزة لروح العقيدة وسماحتها وعدالتها. لنأخذ مثالا الإجحاف الذي يمارس في شأن المرأة وخصوصاً في الحقوق والواجبات والتكاليف الشرعية والثواب والعقاب في سلوكنا الاجتماعي بالرغم من العدالة الثابتة في نصوص القرآن والسنة فعندما يرتكب الشاب أي جريمة مخلة بالشرف يظل مرحّباً به وتصفح عنه أسرته وتحتويه من جديد بعد انتهاء محكوميته كأن شيئاً لم يكن بينما لو ارتكبت الفتاة ذات الجرم نفسه أو أقل منه لتبرأت أسرتها منها ورفضت توبتها وتنصلت من استلامها بعد نهاية محكوميتها لتقضي سنوات عمرها المتبقي خلف قضبان خطيئتها! مثال آخر للظلم وازدواجية المعايير فالرجل في أعرافنا يحق له أن يتزوج من أي جنسيات أجنبية غير متكافئة معه بالنسب وفي ذات الوقت لا يحق لشقيقته الفتاة أن تتزوج إلا بمن يكافئها بالنسب.. ولو كان طالب نكاحها ممن يرضى الناس دينه وخلقه ولا أحد يكترث حتى لو بقيت الفتاة عانساً أو حرمت من فرصة الزواج والإنجاب وتكوين أسرة! لقد أصبح فهم الأدلة الشرعية وتفسيرها عند البعض رهناً بالمؤثرات الاجتماعية المجحفة وهذا ما أدى إلى خلط العادات بالدين بدرجة يصعب التفريق بينها وليس أكثر إيضاحاً لتلك الظاهرة من قضية حجاب المرأة وكشف الوجه وهي محل خلاف فقهي ثابت ولكن العادات كان لها كلمة الفصل في تكذيب اختلاف المذاهب وتحريف آراء الأئمة بما يحقق لهم النتيجة النهائية حول حرمة كشف الوجه! إذاً.. هل هي حالة فصام مجتمعي أم هي نعرة تحابي تقاليد وأعرافاً بالية في وجه حق أسطع من شمس النهار؟! لمراسلة الكاتب: [email protected]