الثقافة الاجتماعية المهيمنة والمسيطرة على مفاهيم البعض تنظر الى الفتاة من خلال رؤية منمطة تحكمها قوالب محددة على أن الفتاة تولد وتنمو وتكبر وتشب من أجل هدف واحد ومصير محتوم هو " الزواج" وكل مسارها الحياتى ماهو الا طريق يجب أن يقود في النهاية الى الارتباط الزوجي، وكل ماهو غير هذا الهدف يعتبر عبثاً لاطائل من ورائه. هذه الثقافة الاجتماعية، والمنظور التهميشي خلق عند الفتاة هاجس الرعب والخوف من أن تمضي السنون بها فيفوتها قطار الزواج ويتجاوزها الباحثون عن شريكة العمر لتنزوي في منزل أسرتها دون أن تصل الى أحلامها وامنياتها وارواء عواطفها. وهذا خلل كبير في تربية وثقافة ورؤية المجتمع يكاد أن يصل الى الخلل التدميري للطموحات والاهداف والغايات للفتاة. ومن هذا ولد لدينا مصطلح اسمه "الفتاة العانس" والأسئلة الصادمة تكون كالتالي: من أطلق هذا المصطلح، وماهي الاطر والمقاييس التى تحكم وتؤطر سن الزواج؟ ومن الذي يحدد السن المناسبة للزواج والتي بعدها تخرج الفتاة من دائرة الاهتمام وهل المشكلة فقط في السن؟ "الرياض" فتحت التحقيق بحثا عن الإجابات لهذه الأسئلة فكانت تلك الآراء. مصطلح تعسفي في البداية تقول اسماء عجيم - معلمة -: إن مصطلح العنوسة ارتبط ارتباطا وثيقاً بالفتاة التي لم تتزوج وهو مصطلح تعسفي بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى تأخر الزواج أو عدمه. ورغم أنه مصطلح عربي لكن جانب التعسف فيه أنه يلحق بها ضمنا نوعا من الإهانة. وكأنها ارتكبت جرما وقد نجد تفاوتا في السن المتفق عليها للعنوسة في بعض الدول العربية وبعض مناطق المملكة حيث يقرر المجتمع في بعضها ان الفتاة إذا تخطت الخمس عشرة سنة ولم تتزوج فهي عانس. ولكن في بعض مناطق أخرى فهي لم تزل غير ذلك. وهنا لابد للمجتمع أن يعيد النظر في هذه الكلمة التي تخرج عن إطار الشرع حيث أنه لم يحدد سن الزواج أو لعدم صلاحيتها وتأثر التكوين الفسيولوجي عندها. وان ينظر المجتمع للأسباب التي أدت لذلك ولايجردها من حقها في ان يرتبط بها أو أن ترتبط بأحد لكونها في نظره أصبحت عانسا. وأضافت الأستاذة ليلى لطفي –باحثة اجتماعية –قائلة: في اغلب الأحيان تجد الفتاة التي تأخرت في الزواج أن كل من حولها من أهل وأقارب يوجهوا اللوم إليها من خلال أحاديثهم بان فلانة تزوجت وأنجبت وأنت - محلك سر - فتصاب بحالات الحزن والاكتئاب وربما تفقد ثقتها بنفسها وبأنوثتها وذلك عكس الشاب الذي مهما تأخر بالزواج لايشعره المجتمع بأي نقص أو عيب فلماذا يقف التعبير هنا عند الفتاة وينظر لها بأنها سلعة محدودة بوقت معين لزواجها ليس هذا فحسب بل نجده يكرس لنا قناعته الظالمة بان الفتاة إذا تجاوزت سن الثلاثين فقد دخلت في قائمة العنوسة ولن تخرج منها نهائياً إلا إذا قبلت بان تكون زوجة ثانية أو زوجة مسيار ولاشك ان الشاب أصبح يرفض ان يقترن بفتاة قيل له أنها عانس وهذه المفاهيم لم تكن موجودة في تعاليم الدين الإسلامي. العنوسة للشاب والفتاة كما أشارت د.عائشة يحيى الحكمي - أستاذ مساعد بالأدب الحديث بجامعة تبوك الى ان العنوسة اشتهرت كصفة يطلقها المجتمع على الفتاة حين تتجاوز30 سنة من عمرها دون زواج، وأحيانا تطلق على الشاب لنفس السبب ولكن قد تكون قسوتها على المرأة أكثر من الرجل اذ تكون النظرة إليها نظرة سلبية إذ تشعرها بامتهان اسمها وكيانها كإنسان وتوجه إليها إهانة مقصودة بغرض التقليل من إنسانيتها وغرس روح العداء في ذاتها ودفعها في بعض الأحيان إلى الهروب من هذا الوصف بالقبول برجل غير مقتنعة به وإنما للتخلص من حالة تهميشها وركنها في إحدى زوايا الحياة وفي كثير من الأحيان تتمنى أن تقترن وتطلق بعد العقد مباشرة لانها ترى أن لفظ مطلقة أو أرملة أهون عليها بكثير من لقب عانس لهذا نقول ان المجتمع أحيانا يكون وبالا على نفسه حين يتوارث ثقافة يستمرئ ويتلذذ بترديدها أو ممارستها خاصة ما يتعلق بالآخرين وتمرده على مراعاة مشاعر الناس مع ثقته أنه أول المتضررين بهذه الثقافة. وهذا ما أكدت علية الاستاذه هدى علاوي - أستاذة علم الاجتماع بقولها: مازال المجتمع يحكم بثقافته العامة على الآخرين وهذا ما أوجد مسمى ظاهرة العنوسة لدينا فقد يرفض الشاب الاقتران بإحدى الفتيات ليس لأنها لا تصلح زوجة مثالية بل كل شيء فيها قد يكون حسنا ولكن العيب الوحيد فيها هي أن المجتمع صنفها عانسا فيتركها ليبحث عن أخرى. وأضافت علاوي قائلة: إذا أردنا ان نحل من مشكلة العنوسة وان ننهيها علينا أولا ان نوسع نطاق الاختيار والسن المعين الذي يجب ان يبحث فيه، والذي عليه ان يحدد السن ليس نظرة المجتمع بل الفتاة نفسها وهذا يعتمد على تصورها لمفهوم كلمة عانس باعتبارها تشارك في نظرة المجتمع لها وكيف أنها تحكم على نفسها كلما تقدم بها العمر فقد تشعر بأنها أصبحت عالة على أهلها وعلى مجتمعها مما يجعلها تتصرف من هذا المنطلق في حركاتها وتصرفاتها. فيتجلى ذلك في سلوكها. فالبنت التي ترى أنها صارت خارج نطاق الاختيار وإنها ستكون عانسا تقتل البسمة في داخلها، وغاب عنها بان الروح متى ما كانت شفافة وفرحة سينعكس على إشراق وجهها الذي يجعل كل من يراها من أهل الشاب سيختارها ويرجحها على غيرها ولن ينظر الى عمرها لهذا يجب على الفتاة ألا تجعل نفسها ضحية لتلك المفاهيم وتتقوقع على ذاتها لمجرد تأخر سن الزواج عندها بل عليها ان تمارس حياتها العلمية والعملية والاجتماعية بكل تفاؤل.