في عام 1982م، أكمل الكاتب الشاعر المفكر العربي اللبناني (سعيد عقل) منظومة من الكوارث الثقافية في الأيديولوجيا والمعتقد والموقف والفلسفة والرؤية، وقدمها إلى الساحة الفكرية والاجتماعية والوطنية، وأعلنها دون أدنى اهتمام بمسألة الانتماء ولا بالهوية، ولا بالوجود والمحيط الذي خُلق منه وفيه، ويحيى ويعيش فوق ترابه!! تتمثل تلك الكوارث في: 1- الدعوة إلى اجتثاث (لبنان) من الهوية والوجود العربي ودمجه في الهوية (الفينيقية) وتصنيفه ضمن الوجود الأجنبي!! 2- تصنيف اللغة العربية وآدابها على أنها (كَرَخَانَة) كما ورد بالحرف الواحد في تعبيره عن هذه الكارثة!! 3- التحريض على مسح اللغة العربية الفصحى من النسق الثقافي وإلغاء التعليم والكتابة والتفكير بها، والاستبدال بها اللهجة اللبنانية المحكية (أي لغة القاع اللبناني)!! 4- الترحيب والاحتفال باجتياح جيش العصابات الصهيونية الإسرائيلية الوطنَ العربيَّ (لبنان)!! 5- تحريض العصابات الصهيونية الإسرائيلية الهمجية التي اجتاحت لبنان على إبادة الإخوة الأشقاء الفلسطينيين اللاجئين إلى وطنهم الثاني (لبنان)!! وإلى يوم وفاته في 28 من نوفمبر من هذا العام 2014م لم تسجل الساحة الثقافية اللبنانية ولا العربية أنه تراجع عن واحدة من هذه الكوارث، أو اعتذر إزاء أيِّ منها. ومع إيماننا بأن الشطحات وغير المعقول والفنتازيا وجنون الفن وغرائب العبقريات ليست بعيدة عن عالم الشعراء والمفكرين والفنانين، ومع إيماننا كذلك بأنه ليست هناك قوة يمكنها أن تصادر من الفنان والمفكر آراءه ومعتقداته واستقلاله في رؤيته، مع كل ذلك لا يمكن أن نتجاهل أمرين غريبين في قضية (سعيد عقل): الأول: أنه أي سعيد عقل برغم تلك الكوارث التي آمن بها وأعلنها وسجلها للتاريخ استمر يحيى ويعيش في لبنان العربي، وغنى له وللشام ولمكةالمكرمة، وكتب ما يقارب 90 في المئة من أدبه باللغة العربية الفصحى التي لم تكن سوى (كرخانة) في رؤيته الشخصية!! والآخر: أنها - أي الساحة الثقافية الاجتماعية والسياسية - لم تتعر ض له بأي سوء، مع أن أيَّ كارثة من الكوارث التي (هبَّبَها) كانت كافية لأن يكون في موضع مساءلة ومحاسبة!!!، أو لِنَقُلْ: في معرض شجب واستنكار. غير أن الشيء الذي قد لا يخطر على بال كثير من الكتابات والتناولات أن نجم سعيد عقل قد انطفأ تماما خلال العقود الثلاثة الفائتة في الوقت الذي تألق فيه نجم كثير من مجايليه، وكثير ممن أتوا بعده مثل (د. علي أحمد سعيد) الذي صار نجماً ليس - فقط - في الساحة الثقافية العربية، وإنما كذلك في الساحات العالمية وأمسى غير بعيد من الحصول على جائزة نوبل في الأدب، والدليل على ما سبق أي على انطفاء نجمه - أن كثيرين ومن الساحة الثقافية قد استيقظوا على خبر وفاته، وتساءلوا عن شخصيته! وفي هذا السياق.. لا أجزم هل هو من حسن حظه أو من سوئه أن يُقرن تاريخه ومعرفته بفنانتين: فيروز التي غنت له قصائد بالعربية الفصحى مثل (غنيت مكة أهلها الصيدا)، وصباح التي تزامن خبر وفاتها مع خبر وفاته فقالت التقريرات: (فقدت لبنان علمين، الشاعر سعيد عقل والمغنية صباح.) على أن المعلومة التي من المستحيل أن أختم هذا التناول دون أن أسجلها هي: أن هذا الشاعر- الإشكالية - كان يُخْلِدُ إلى النوم عند التاسعة مساءً، ويصحو عند الثالثة فجراً!! يا قارئ القرآن صلّ له أهلي هناك استوطنوا البيدا من راكع ويداه آنستا أن ليس يبقى الباب موصودا