عندما احتُفل ببلوغ الشاعر سعيد عقل مائة عام كتبت موضوعا ذكرت فيه بعض مآثره الشعرية والأدبية والفنية أشرت فيه إلى أن الشاعر سعيد عقل يمثل الشاعر المثقف الموهوب المهموم بالشأن الحياتي إلى جانب فن إتقان الشعر العربي، وممارسته ومعرفة أسراره منذ بداياته الأول في محاولاته الشعرية وما تلا ذلك في مراحله العمرية والشعرية التي امتدت سنوات تقارب المئة، حيث عاصر أوج رواد مدرسة الإحياء التي أسسها البارودي ومكنها شوقي وحافظ ومطران، وعاصر وشارك الحراك التجديدي مع جماعة أبوللو، ولازال مستمرا حتى اليوم يقدم الجيد وهو في هذه السن المتقدمة من العمر الممتد من بدايات القرن الماضي، وسعيد عقل لم يتوقف عن المشاركات والمشاكسات الفنية المعنية بالشعر والشعر خاصة، ولو كانت له اهتمامات وتقليعات عرفت عنه وعرف بها وهي التي ربما جنبت الكثيرين من التوغل والتدخل في شأنه الفني الذي انعكس بعضه على شؤون اجتماعية وسياسية وصراعات أخذت منه الكثير الذي لو كان وفرّه للشعر لكان وهو كائن من أهم الشعراء العرب وفي مقدمتهم إتقانا ومعرفة بالشعر العربي وفنونه مع تطبيق فنون الشعر العربي بالممارسة كما تدل على ذلك دواوينه الشعرية، وكتبه النثرية مثل دواوينه (رندلى) و(أجمل منك..لا) و(لبنان إن حكى) وكتابيه النثريين (كأس الخمر) و(كتاب الورد) التي صدرت في سنوات متعددة ومهما اختلفت مساراتها إلا أنها تجسد الشعر العربي الكلاسيكي والنيوكلاسيكي كما يحلو للبعض، فهو شاعر مالكٌ للشعر بحق، إذ تجده قد تطرق لجميع فنون الشعر العربي بمراحله التطويرية، وقد كان له تأثيره في أجيال شعرية من الشعراء العرب، فهو مدرسة قائمة بذاتها تخرج منها فنياً كثيرون حتى ولو اختلفوا معه مضمونياً، إلا أن هناك من يكابر ويحاول تجاهل مثل هذا التأثر بسبب مواقف خلافية في بعض المضامين التي كانت في فترة تؤخذ على سعيد عقل مثل موقفه من لبننة لبنان، ولغة لبنان وسياسة الشرق والغرب حضاريا ودينيا، وماكان قد شاع في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي من صراعات بين أيديولوجيات معينة كان له فيها مواقف صادمة للبعض ومقبولة عند البعض، فكان شعره يُهْمل ويُبعد تبعاً لمواقفه رغم أن معظم شعره المكتوب والمدوّن في مجموعاته الشعرية لا يحمل إلا الفن الشعري المعروف والذي أنزل شعراء لا يدانونه أماكن في الساحة العربية الثقافية مكّنت من انتشارهم في العالم العربي، ولم تعطه حقه الذي هو قمين به بين شعراء العربية الذين أُشبعوا دراسات ونشرا ودعاية، وهو حقيق بما يكتب عنه من قبل من يريد أن يدرس الشعر العربي المعاصر ويدون مرحلة سعيد عقل على أنها مرحلة مفصلية ذات سمات متفردة من حيث تمكنه من براعة استخدام الأوزان الشعرية العربية المتعارف عليها، فهو يستعرض قدراته ومهاراته وتمكنه من الفن والتقنية الشعريين بما يتوافق مع ميل إلى التخفيف من قيود العروض والتقليدي دون الخروج عنه كما تذكر الناقدة هند أديب، فهو حريص على الإيقاع ومهتم بتنوعه والتنقل بين البحور بقدرات لم تتأت إلا له لأنه يتعامل معها بدراية وحنكة تجسد الاهتمام بالموسيقى الشعرية الصافية الغنائية الطربية ذات التموجات الحسية التي تخرج من القلب لتستقر في القلب عبر الأذن الرهيفة الحساسية. وسعيد عقل الشاعر الذي رحل بعد أن عاش قرنا وسنين مخلفا وراءه إرثا فنيا مليئاً بفنون الشعر والنثر مقالات ومسرحيات بالرغم من تمسكه بلبنانيته التي عرف بها هو شاعر عربي حمل الهم العربي وشارك كشاعر في كتابة قصائد عن الوطن العربي.، كما كتب وشجع المرأة آخذاً بيدها في مجال المشاركة عملا وشعراً فهو قد كتب مقدمة جميلة تعتبر دراسة أدبية عن الشاعرة إدفيك شيبوب لديوانها (بوح) جاء فيها :"في هذا العصر الذي طالعتنا فيه الشاعرات جائعات إلى الحبيب، اكتفت هي بأن تكون. فكانت ثورة. أي ثقة بالحس الأنثوي ؟ أي إعادة إيمان بالرجولة ؟ ترى منذ متى لم يعد يكفي الرجل أن تقول له المرأة حضورها ليَخِفّ؟رسالة الغزل الإدفيكي عميقة إذن أكثر مما يظن" أما قصائده عن العرب منها قصيدة عن (مكةالمكرمة): غنيت مكة أهلها الصيد والعيد يملأ أضلعي عيدا فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى زيدا وعلى اسم رب العالمين علا بنيانه كالشهب ممدودا يا قارئ القرآن صل لهم أهلي هناك وطيّب البيدا من راكع ويداه آنستا أن ليس يبقى الباب موصودا أنا أينما صلى الأنام رأت عيني السماء تفتحت جُودا لو رملة هتفت بمبدعها شجواً لكنت لشجوها عودا ضج الحجيج هناك فاشتبكي بفمي هنا يا وُرْقُ تغريدا وأعز ربي الناس كلهم بيضاً فلا فرقت أو سودا لا قفرة إلا وتخصبها إلا ويعطى العطر لا عودا وجمال وجهك لا يزال رجا يُرجى وكل سواه مردودا كما كتب عن قضية العرب والمسلمين فلسطين السليبة: ...اجراس العودة فالتقرع أنا لا أنساك فلسطين ويشد يشد بي البعد أنا في أفيائك نسرين أنا زهر الشوك أنا الورد سندكُّ ندكُّ الأسوارا نستلهم ذاك الغار ونعيد الى الدار الدارا نمحو بالنار النار وغرد عن الشام متغنيا بأمجاد الإسلام والعروبة الأصيلة: قرأتُ مجدَكِ في قلبي وفي الكُتُبِ شَآمُ، ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يَغِبِ إذا على بَرَدَى حَوْرٌ تأهَّل بي أحسسْتُ أعلامَكِ اختالتْ على الشّهُبِ أيّامَ عاصِمَةُ الدّنيا هُنَا رَبطَتْ بِعَزمَتَي أُمَويٍّ عَزْمَةَ الحِقَبِ نادتْ فَهَبَّ إلى هِندٍ وأندلُسٍ كَغوطةٍ مِن شَبا المُرَّانِ والقُضُبِ خلَّتْ على قِمَمِ التّارِيخِ طابَعَها وعلّمَتْ أنّهُ بالفتْكَةِ العَجَبِ أما لبنان فهو حبه الذي وهبه نفسه شعرا، وبحثا، وتنقيرا في التواريخ على مدى الزمن: من أين يا ذا الذي استسمته أغصانُ من أين أنت فداك السرو والبانُ إن كنت من غير أهلي لا تمرّ بنا أو لا فما ضاق بابن الجار جيران ومن أنا؟ لا تسل سمراء منبتها في ملتقى ما التقت شمس وشطآن لي صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب قالت: تلك لبنان توزعتها هموم المجد فهي هوى وكر العقابين تربى فيه عقبان