ما دلني أحد علي: أنا الدليل، أنا الدليل إلى بين البحر والصحراء، من لغتي ولدت على طريق الهند بين قبيلتين صغيرتين عليهما قمر الديانات القديمة، والسلام المستحيل وعليهما أن تحفظا فلك الجوار الفارسي وهاجس الروم الكبير، ليهبط الزمن الثقيل عن خيمة العربي أكثر. من أنا؟ هذا سؤال الآخرين ولا جواب له. أنا لغتي أنا وأنا معلقة... معلقتان... عشر، هذه لغتي أنا لغتي. أنا ما قالت الكلمات: كن جسدي، فكنت لنبرها جسداً. أنا ما قلت للكلمات: كوني مُلتقى جسدي مع الأبدية الصحراء. كوني كي أكون كما أقول! لا أرض فوق الأرض تحملني، فيحملني كلامي طائراً متفرعاً مني، ويبني عش رحلته أمامي في حطامي، في حطام العالم السحري من حولي، على ريح وقفت. وطال بي ليلي الطويل هذه لغتي قلائد من نجوم حول أعناق الأحبة: هاجروا أخذوا المكان وهاجروا أخذوا الزمان وهاجروا أخذوا روائحهم عن الفخار والكلأ الشحيح، وهاجروا أخذوا الكلام وهاجرَ القلبُ القتيل معهم. أيتسع الصدى، هذا الصدى هذا السراب الأبيض الصوتي لاسم تملأ المجهول بحته، ويملأه الرحيل ألوهة؟ تضع السماء علي نافذة فأنظر: لا أرى أحداً سواي وجدت نفسي عند خارجها كما كانت معي، ورؤاي لا تنأى عن الصحراء من ريحٍ ومن رمل خطاي وعالمي جسدي وما ملكت يداي. أنا المسافر والسبيل يُطلُ آلهة علي ويذهبون، ولا نطيل حديثنا عما سيأتي. لا غد في هذه الصحراء؛ إلا ما رأينا أمس فلأرفع معلقتي لينكسر الزمان الدائري ويولد الوقت الجميل!. ما أكثر الماضي يجيء غداً تركت لنفسها، نفسي التي امتلأت بحاضرها وأفرغني الرحيل من المعابد. للسماء شعوبها وحروبها أما أنا، فلي الغزالة زوجة، ولي النخيل معلقات في كتاب الرمل. ماضٍ ما أرى للمرء مملكة الغبار وتاجه. فلتنتصر لغتي على الدهر العدو، على شلالاتي، علي، على أبي، وعلى زوال لا يزول هذه لغتي ومعجزتي، عصا سحري حدائق بابلي ومسلتي، وهويتي الأولى ومعدني الصقيل ومقدس العربي في الصحراء يعبد ما يسيل من القوافي كالنجوم على عباءته ويعبد ما يقول لا بد من نثر إذا لا بد من نثرٍ إلهيٍّ لينتصر الرسول!. محمود درويش