تظل مسألة حضور المثقف والمبدع كنجم في المشهد الاعلامي المحلي مغيبة الى حد ما الكثير يراها مسألة ثانوية لا تستحق من المثقف ان يلتفت اليها، ويرى البعض اشكالية تصنيع المثقف لا تتم على المستوى الرسمي فقط، بل هي نتاج تراكمات على جميع المستويات الاعلامي والثقافي والاجتماعي. وفي مسألة التصنيع لنجومية المثقف تقدم «الرياض الثقافي» هذه الرؤية لكل من الناقد محمد العباس والكاتب أشرف إحسان فقيه والكاتبة إيمان القويفلي: ٭ «الرياض» على مستوى المشهد الثقافي هل استطاع اعلامنا المتمثل في الصفحات والملاحق الادبية والمجلات صناعة نجومية للمبدع والمثقف المحلي؟ - محمد العباس: نجومية المثقف مسألة على درجة من الأهمية والتعقيد، وكلما تقدم الوعي في المجتمع أصبحت هذه الجدلية تحتل مساحة أكبر في الوعي والتخطيط الإعلامي، فالمثقف النجم لا يتأسس دائما وفق دافعية حب الظهور، ولا يحدث خارج الصيرورة الاجتماعية والسياسية والتاريخية، بل ضمن قانون على درجة من التشابك البنائي بين عدد غير مرئي من الأطراف، وهكذا يمكن ان تمرر المؤسسة من خلاله، جملة من التصورات والأفكار التي يصعب تعميمها عبر القرارات والتوصيات الرسمية، إذ يتحول مع المراكمة الزمنية، وتواتر حضوراته المختلفة، ومواهبه الخاصة بالتأكيد، بالإضافة إلى دهاء المؤسسة الاستراتيجي إلى حالة «كاريزمية» يتولد عنها بالضرورة سلطة معنوية شديدة التأثير، خصوصا عندما يكون لديه تلك القابلية متعددة الأبعاد للحضور والتأثير، وعندما يكون صاحب منجز ثقافي على درجة من المعقولية، والأهم حين يكون أقرب إلى طراز المثقف المؤسساتي بكل ما تحمله هذه الصيغة من هواجس فكرية ونفسية، وبكل مالديه هو شخصيا من استعداد لتخفيف منسوب الإلتباس بينه وبين الآخر بكل أطيافه. نعم هنالك نجومية تم تصنيعها في إعلامنا المحلي حتى وإن كانت لاتتناسب بحال مع منجز بعض المبدعين، فثمة اسماء هي مجرد ظواهر إعلامية، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن أسباب ثقافية واخرى لا علاقة لها بالثقافة، بالنظر إلى تداخل الثقافي والاجتماعي ومجموعة من الاعتبارات، ويبدو ان صناعة النجم الثقافي تتم في المشهد الثقافي بشيء من الفوضى، والتدبير الشخصي احيانا، وليس وفق تصور يتلاءم مع المنظور الاستراتجي لمعنى ووظائفية المثقف، فالصفحات والملاحق والمنابر الثقافية تبدو احيانا وكأنها محجوزة لأسماء بذاتها، فيما يبدو تسليعا ممجوجا للمثقف، وهو ما يؤدي الى خسارة حقيقية للمثقف نفسه ولجماهيره، فالحركة والتغير والتصارع من الطباع الجوهرية للحال الثقافي، وبالتالي لا بد من تحريك الأفق الثقافي على خاصية التجدد، وليس وفق البهرجة الإعلامية، فهنا يتشكل قارئ ضمني يزيح المثقف عن رسالته القائمة على إثارة الوعي، وتنحيته إلى سباق محموم مع آخرين من أجل البروز، وتحويله إلى بوق دعائي لجملة من الأفكار المستهلكة. وبالتأكيد لا يحقق هذا الحضور الإعلامي الدائم لبعض المثقفين مكانة أدبية بقدر ما يدفعهم إلى، واجهة المشهد، حتى عند الاستعانة بطابور من المطبلين وخبراء النجومية المستجلبين من خارج الدائرة المحلية، فكل شهادات الزور تلك لا تصمد مالم يكن لدى المثقف رافعة أساسها الإنتاج، واستقلالية الرأي، وروح الحوار، ولنلاحظ ان بعض الاسماء لا تغيب عن الصفحات الثقافية، فأخبار مشاركاتهم الخارجية والمحلية يعاد نشرها، كما يتفنن بعض المريدين في التأكيد على رصد أخبارهم الشخصية الاجتماعية، ولكن دون أن يتحقق لتلك الأسماء ذلك الرنين الموجب للنجومية، وهنا تبرز المعيارية الجماهيرية كما يتبدى صداها في الاختلاف على كل ما يصدر عن المثقف النجم، حيث يكمن جوهر التقويم للذات المبدعة، خصوصا في ظل مجتمع يحمل من التصورات التنميطية والشائعات عن المثقف اكثر مما يعرف حقيقته وجوهره. أشرف إحسان فقيه: نعم ولا! الإعلام المحلي يكاد يكون الوسيلة الحصرية لتسويق المثقف الذي قد لاتنفعه القيمة العالية لمنتجه الإبداعي في احيان كثيرة مالم يتلق التسويق اللازم، لكن وسائل الدعاية هذه تعتمد في المقام الأول على شبكات من العلاقات الشخصية التي تشكل عصب الحركة الدعائية، أنا هنا أفرق بين الدعاية النقد. وإن تكن الأولى عملية احترافية في الأساس لكنها غير ممارسة على اصولها في وسائل إعلامنا، عندنا لا أتوقع أن يمضي محرر الصفحة الثقافية الوقت بين ارفف المكتبات وقوائم «الببليوغرافيا» باحثاً عن اسماء وعناوين مثيرة بقدر ما يعتمد على «رسائله الخاصة» في الترويج الانتقائي،، أجرؤ على القول بأن إعلامنا بات هو يسبغ صفة «المثقف» على الشخص عوضاً عن ان يعرف بإبداعه، وهو وضع جد شاذ كما ترى! إيمان القويفلي: هذا السؤال يضع الرهان في مسألة صناعة «النجومية» على عاتق الصفحات الثقافية والملاحق. هل هذا صحيح؟ عندما أفكر فيما قرأته عن حرب الملاحق الثقافية في كتابه «حكاية الحداثة» يقع في قلبي أن النجومية التي تمنحها هكذا إصدارات ثقافية هي نجومية، متعلقة بظرف معين يخص هذا الإصدار بعينه، او يتعلق بأزمة ثقافية عامة. اتصور أن النجومية المستمرة والقادرة على البقاء هي ما يصنع المرء لنفسه، باستراتيجيته الخاصة، التي يمكنه من خلالها أن يبقى بحد ذاته شخصا مسموعاً، جذاباً، مؤثراً في أفكار الناس، دون الاعتماد على علاقته بإصدار او مؤسسة او أزمة ظرفية. وأتصور ان هناك عدداً من النجوم استكشفوا مسالك نجوميتهم بأنفسهم عبر خياراتهم الصائبة، وتحولاتهم الفكرية، وطبيعة مواقفهم وإنتاجهم ومواقيت نشره. أليس غازي القصيبي نجماً ثقافياً؟ عبدالله الغذامي؟ سلمان العوده؟ «كقطب مؤثر من أقطاب الثقافة الدينية والسياسية» عبده خال؟ عبدالرحمن الراشد؟ اتصور انه ومن أجل الكشف عن علاقة «الإصدار الثقافي» بصناعة النجم، يجب ان تفحص علمياً تاريخ هؤلاء النجوم وغيرهم وسيرهم التاريخية لتتحقق متى كانوا مرتبطين بإصدار ما؟ إلى أي درجة ساهمت هذه المجلة أو ذاك الملحق بتأسيس نجومية فلان؟ وكيف استمر نجماً رغم انفصاله عنها؟ الفحص العملي لسير النجوم النماذج ستجلي الكثير من الحقائق هنا. ٭ «الرياض»: ماهي مقاييس النجومية الاعلامية للمبدع او المثقف؟ - محمد العباس: نعم هنالك نجومية تم تصنيعها في إعلامنا المحلي حتى وإن كانت لا تتناسب بحال مع منجز بعض المبدعين، فثمة أسماء هي مجرد ظواهر إعلامية، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن أسباب ثقافية وأخرى لا علاقة لها بالثقافة، بالنظر الى تداخل الثقافي والاجتماعي ومجموعة من الاعتبارات، ويبدو ان صناعة النجم الثقافي تتم في المشهد الثقافي بشيء من الفوضى، والتدبير الشخصي أحيانا، وليس وفق تصور يتلاءم مع المنظور الاستراتجي لمعنى ووظائفية المثقف، فالصفحات والملاحق والمنابر الثقافية تبدو احياناً وكأنها محجوزة لأسماء بذاتها، فيما يبدو تسليعا ممجوجا للمثقف، وهو مايؤدي الى خسارة حقيقية للمثقف نفسه ولجماهيره، فالحركة والتغيير والتصارع من الطباع الجوهرية للحال الثقافي، وبالتالي لا بد من تحريك الافق الثقافي على خاصية التجدد، وليس وفق البهرجة الإعلامية، فهنا يتشكل قارئ ضمني يزيح المثقف عن رسالته القائمة على إثارة الوعي، وتنحيته إلى سباق محموم مع آخرين من أجل البروز، وتحويله إلى بوق دعائي لجملة من الأفكار المستهلكة. وبالتأكيد لا يحقق هذا الحضور الإعلامي الدائم لبعض المثقفين مكانة أدبية بقدر ما يدفعهم إلى واجهة المشهد، حتى عند الاستعانة بطابور من المطبلين وخبراء النجومية المستجلبين من خارج الدائرة المحلية، فكل شهادات الزور تلك لا تصمد ما لم يكن لدى المثقف رافعة اساسها الإنتاج، واستقلالية الرأي، وروح الحوار، ولنلاحظ ان بعض الاسماء لا تغيب عن الصفحات الثقافية، فأخبار مشاركاتهم الخارجية والمحلية يعاد نشرها، كما يتفنن بعض المريدين في التأكيد على رصد اخبارهم الشخصية الاجتماعية، ولكن دون أن يتحقق لتلك الأسماء ذلك الرنين الموجب للنجومية، وهنا تبرز المعيارية الجماهيرية كما يتبدى صداها في الاختلاف على كل ما يصدر عن المثقف النجم، حيث يكمن جوهر التقويم اللذات المبدعة، خصوصا في ظل مجتمع يحمل من التصورات التنميطية والشائعات عن المثقف أكثر مما يعرف حقيقته وجوهره. - أشرف إحسان فقيه: في الوقت الراهن تقترن النجومية ب« إثارة الجدل» بلا شك. وحتى هذه لا تخضع لمعايير إبداعية بقدر مايسيرها «واقع السوق» الذي تروج فيه كتابات المرأة وتلك المقترنة بثقافة التمرد والثورة على القديم، وإن كان ذلك كله مغلفاً بطبقة سميكة من الركاكة والابتذال وانعدام الموهبة. لا تنس أننا مجتمع يعتد بالجاه كذلك، تطلع لأسماء بعض من تسلقوا عربة الرواية مثلاً في العقد الاخير تجد اهم اصحاب تاريخ ثقافي عريض شفع لتمرير تجاربهم الروائية المريرة بل وكرستها كأمثلة تحتذى. ويكفي ان يقدم احدهم لرواياتي القادمة كي أغدو نجماً بدوري. اخيراً للمال كلمته كذلك، من سيجرؤ على تجاهلي طالما أن انشر واوزع - وإن من جيبي الخاص- عملاً ادبيا كل بضعة أشهر! إيمان القويفلي: في هذا الجانب يجب أن يسأل مختص في علم الاجتماع، وعلم النفس، شخص عارف عموماً بمقاييس النجم عالمياً، وواع للفروقات بين مجتمع و آخر في مسألة النجومية هذه. الوسط الثقافي السعودي شديد التعقيد لأنه شديد الغموض. لاحظ ان علاقات النجم بالسلطة تؤثر على نجوميته في أعين الناس «سلباً وإيجاباً». لاحظ أن علاقة النجم بأصحاب رؤوس الأموال تؤثر على نجوميته في أعين الناس «سلباً وإيجاباً». و الجمهور حساس جداً لمواقف «نجمه» من مراكز القوى. والبوصلة حالياً تميل بشدة نحو تقدير ال لامنتمين للسلطة، وأنظر الى النجومية التي حققها «عبدالله الفالح» و «علي الدميني» و «متروك آل فالح» في زمن قياسي هو 8 أشهر، بسبب مطالباتهم الدستورية واعتقالهم، رغم انهم جميعاً من الكتاب واستاذة الجامعات كانوا موجودين بيننا اعواماً طويلة، لم يدر بهم أحد - على هذا المستوى، ولعلك لاحظت انتشار ظاهرة إدراج صورهم في تواقيع الأعضاء في المنتديات السعودية. السؤال هنا هو : كيف يحافظ القصيبي مثلا على نجوميته رغم أنه كان سفيراً رسميا للمملكة ثم وزيرا طوال الأعوام الماضية؟ حسناً إرجع إلى مواقف القصيبي «الشعرية» يوم أن كان سفيراً في لندن لتعثر على الإجابة. على المثقف السعودي إذا أراد أن يبقى على نجوميته أن يكون حذراً في تعاطيه مع مراكز القوى السعودية، اعرف هذا المقياس على وجه اكيد كمقياس أساسي في تركيبة النجم الثقافي، وعليك البحث عن الباقي. ٭ «الرياض»: هل تلك النجومية تجعل من المثقف سلعة استهلاكية للاعلام وبالتالي تفقده خصوصية كمبدع؟ - محمد العباس: هنالك اعتقاد قاصر بحدوث المثقف وتشكله بمعزل عن الحدث الاجتماعي وخارج النسق الحياتي عموما، رغم أن المعيارية الجماهيرية لا تنفصل عما يحاك في خفاء المؤسسة، ولا عن مزاج المتنفذين في الصفحات الثقافية، وعليه لا بد من مقاربة كل ذلك التمليع المتقصد بوعي فهنالك من يتم تصعيده وسط سيل هائل من الشائعات، والمعارك الوهمية والمفتعلة، وإضفاء هالة من البطولات الزائفة والصاقه اللامبرر بأسماء ذات شأن ثقافي سواء عبر كثافة الصور الصور وكثرة الطرق على ضرورة وجوده ، أو من خلال سرد ذكريات ومواقف تخصه ولا تمت إلى الشأن الثقافي بصلة وهكذا، فكل هذه آليات مكشوفة ومخجلة لا يلجأ إليها إلا أشباه المثقفين، وإن كان مزاج المثقف وبعض خصوصياته مسألة ضرورية للتعرف على مكامنه البشرية ومنسوب انسانيته. ولا شك ان بعض النجاحات قد تحققت وتم تلميع جملة من الأسماء وفق مخططات شخصية ومؤسساتية، والساحة الشعبية خير دليل، من خلال كثافة اللقاءات، وتسليط الضوء على حياة المبدع الشخصية والاجتماعية، والإكثار من استعراض يومياته عبر سلسلة من الريبورتاجات الصحفية مدفوعة الثمن. ولكن كل ذلك السعي الحثيث لتكريسه إعلاميا قد لايمكثه في وعي الجماهير والذاكرة الاجتماعية، وبالتالي لا يحتسب ضمن صيرورة الحراك الثقافي الحقيقي، فمثل هذه الأمور معروفة لكل من يتعاطى العملية الإعلامية عن قرب، حيث يحيط بعض المبدعين نفسه بطابور من المريدين وأنصاف المثقفين والمتلهفين للشهرة. أشرف إحسان فقيه: على النطاق المحلي، ليس ثمة إعلامي متخصص. التغطيات التي تنشرها الملاحق الثقافية التابعة للصحف هي موجهة لاستهلاك القارئ العادي بلا شك ولا يجدر أن اخذها على تناولها للشأن الثقافي على نحو سطحي طالما هي تهدف لبيع المزيد من النسخ، لكن غياب الإعلام المتخصص كرس دور هذه الملاحق كمتحدث عن الثقافة وافقد الإبداع كله خصوصيته. النمط الذي يتم تناول نجومية المبدع من خلاله كذلك واعتماد ذلك علة مواهب العلاقات العامة اضر كثيراً بمصداقية المثقفين والمتناولين للشأن الثقافي كذلك، والمؤسف ان ذلك كله لم يتمخض لا عن ثقافة نخبوية فاعلة ولا عن موجة شعبية ذات أثر ملموس على كافة شرائح المتلقين! - إيمان القويفلي: هذا السؤال بصيغته هذه يعني أن كل من لهم علاقة مهنية وثيقة بالإعلام ليسوا مبدعين فهل النجم في هذا التحقيق يعني الروائي أو الشاعر او المفكر فقط فهؤلاء هم الذين لا تكون لهم عادة علاقة وثيقة بالإعلام لئلا يصيروا سلعاً استهلاكية له.. أنا اعتقد ان النجومية حالة واسعة تضم إلى جوار الأدباء و المفكرين نجوماً صحافيين ونجوماً خطباء ونجوماً وزراء. ولكي تبحث حقاً في مسألة النجومية يجب ان تتحسسها من منظور الشارع الواسع صحيح ان الشارع له نجوم من لاعبي الكرة ونجوم من الشعراء الشعبيين، لكن ما مدى تأثير هؤلاء في الحركة الفكرية، وقناعات الناس؟ عبدالرحمن الراشد مثلا ليس مبدعاً أدبياً لكنه من أكثر «النجوم» تأثيراً في السعودية. مواقفه وافكاره وخياراته، حتى حياته الخاصة يثار حولها التساؤل.