إن جميع المخلوقات تتمتع بقدر من الوعي، لأن الوعي ركيزة الكون ونقطة إنطلاق للإنسان وأساس معطياته، والتفاعل مع الطبيعة مؤشرعلى ازدياد معدله، فالمظاهر المتلألئة كالنجوم تؤدي إلى مراحل متطورة لترسم طبيعة خلابة على سطح الماء، وبذلك يتم تحويل المادة وتغييرالإنسان إلى الأفضل، وإنتاج طاقة لا تنضب، وتحويل الحاسبات إلى أجهزة ذكية متناهية الصغر. وعلى اعتبار أن التكنولوجيات الحديثة وثقت هذا التقدم لكي تجعل التحكم في الطقس والأحوال الجوية تصنع اختلافاً وتفاوتاً من خلال التنبؤ والاستباق وإنشاء جسر بين علاقة الذكاء الإنساني بالذكاءالإصطناعي. إضافة إلى ذلك، فإن ما تتبادله هذه السمات الإنسانية المتزنة تكون أداة من أدوات المدنية، التي ترتقي بالإحساس تجاه الآخرين وتجعله ذا سلوك بهيّ وشفاف، ويبحث باستمرار عن الشرعية بعيداً عن العنف، ويأخذ بعين الاعتبار التعاقدات الإلزامية ومراعاة مصالح الآخرين. فعندما نقول إن البيئة أقوى من الإنسان فلن نوظف المقارنة هنا لأن الأشكال البشرية تبدو للطبيعة هي سر الحياة، وهذا لا يعني أن تقتصر السيطرة على الطبيعة بواسطة العلم وتعتمد على أمثلة الظواهر الطبيعية فقط، وإنما تحوله إلى تحكم خالص بنفسه يستثمر نتائجه وخصائصه. ومع إني أؤكد حجم الخسائر التي كبدها الإنسان للعالم وتحكمه العكسي في الطبيعة، وتجاوز هدفه إلا أنه يكره الهدم ويطمح في البناء ويقضي بين عناصر التشابه وعناصر الاختلاف، ليكّون قضية يتابع نتائجها ويحفظها في وثيقة يسجل فيها ضعفه وخسارته ومن ثم نجاحه وتفوقه. فمن المستحيل فصل الإنسان عن الطبيعة ومفهوم التقنية والبحث في نشأة الكون، وجاء في وثيقة علمية لرحلة فضائية فحواها كالتالي: منذ سنين مضت، تمكنت المركبة الفضائية Stardus من اختراق مذنب Wildiz فجمعت الآلاف من غبار هذا المذنب، وبعد أن قطعت أكثر من أربعة ملايين ونصف من الكيلومترات في الفضاء، في ظرف سبع سنوات، عادت المركبة لتحط على الأرض وهي محملة بعينة نادرة من ذرات الغبار، ثم توزعت هذه العينة على خمسة وعشرين مختبراً علمياً في العالم، ولأول مرة سيتمكن العلماء من تحليل هذه العينة النادرة والنفيسة لأجسام بعيدة جداً وغريبة جداً كذلك، وسيتمنى العلماء استخلاص معلومات ومعارف جديدة حول "طفولة المجموعة الشمسية". وعندما نريد تفسير ماهية المواقف والرؤى والنظريات عند البشر نجدها في مجملها متشابهة لولا اختلاف الطرق والجهد، فالأحاسيس الداخلية والمشاعر الكامنة تخبر أن الجميع في سباق مع الزمن للوصول إلى النجومية وتتساوى عنده وتيرة الإنتاج والاستهلاك. بيد أن إدراك العقلية العربية للمجتمع التقني والصناعي تطورت قوانينه الضمنية وتضاءل التصور الخاطئ ودفع الزمن نحو تلك القوانين، وتغيرت الصفة والسلوك والحركة والعمل إلى نمو المفاهيم والقدرة على الاستمرار. ويبدو واضحاً أن الفاعلية والتقنية والسيطرة محفزة على العمل وعلى تكييف الطبيعة أيضاً، ليسجل الفرد إبداعاً ونجومية تحافظ على الوفاق القائم بين الإنجاز الشخصي والمجتمع التقني.