أمريكا قدمت الشاه شرطياً على الخليج العربي، وحولت إيران لقاعدة مواجهة ضد الاتحاد السوفياتي، وزودته بأكبر سلاح حديث، ومفاعل نووي، وحاول أن يقفز على الواقع حين رأى نفسه قوة عظمى، وقد منعت مغامراتِه العسكرية خارج حدوده، قوةُ الاتحاد السوفياتي والذي كان لا يخفي مطامعه في الوصول إلى المياه الدافئة عبر قنطرة إيران، ومع الخميني، ورغم كل ما جرى في أحداث السفارة الأمريكية واحتجاز العاملين، والمغامرة الفاشلة التي قادها (كارتر)، إلا أن ما كان يجري في السر لم يفسد العلاقة مع دولة تعتبرها أمريكا جزءاً من المواقع الاستراتيجية والاقتصادية لها يرشحها موقعها وتاريخها، ولذلك ما يجري من مسرحيات متقنة الحبكة والأدوار حول المفاعلات النووية وامتلاك إيران سلاحاً غير تقليدي، أخذ اتجاهاً نهائياً ضمن عدة صفقات.. إيران (قورش) الذي غزا العرب وأبادهم، هو الأب الروحي للنزعة النازية عند الحكومات الايرانية علمانية أو دينية، فالتفوق العرقي هاجس الروح الشعبية على العرب هو قائم وأبدي، وحتى لو لبس الملالي عمائمهم السوداء كأحفاد لآل البيت والهاشميين ومن أرومات عربية، فهم لا يعترفون بهذه الجذور إلا لتسويق سياساتهم القومية قبل مذهبهم، ومن يعتقد أن التسويات الدبلوماسية قادمة لترسيخ تعايش بين العرب (وآريي) إيران فإنه يجهل طبيعة الأسباب التاريخية وتجذرها في الذهنية العامة.. لنكن أكثر وعياً بمجريات الأحداث، فأمريكا وحلفاؤها رسموا المخططات الأولى لتقسيم العرب منذ أزمنة طويلة، وليست (سايكس - بيكو) إلا نتيجة مبدئية، ولعل تسليم العراق، وإلحاق سورية به ثم لبنان، والتواطؤ حول إطلاق يد إيران في هذه الدول، هي مقدمات لعمل أخطر، وعملية أن نصدق أمريكا أو نضعها الحليف الموثوق دون قراءة لمتغيرات الاستراتيجيات والأهداف، فهذا يضعنا في حالة وهم، فكل قوى التاريخ ترى المواقف متغيرة، وكذلك السياسات، لكن المصالح هي الثابتة، وهذه القاعدة سوف تطبق على كل الدول ذات الصلات مع أمريكا سواء بروابط اقتصادية أو استراتيجية، والعرب جزء من جغرافيا متغيرة في الحدود بما فيها زوال الدولة المركزية لصالح الدولة الطائفية أو القومية.. حادث بسيط وقع في الأيام الماضية، وهو دخول القوات الجوية الايرانية لضرب مواقع داعش في العراق، وقد أعلنت عنه أمريكا، وأنكرته إيران في وقت غضت الطرف عن دخول قوات برية بقيادة قاسم سليماني ومنذ أزمنة بعيدة في إدارة حكم العراق، والشريط الذي كشف عن احتفاله مع بعض الجنود العراقيين بتحرير (آمرلي) في رقصة عسكرية، سكتت عنها أمريكا، وربما اعتبرتها شأناً داخلياً كتصرف سياسي من قبل الحكومة العراقية غير أن وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) اعتبر بأن أي ضربة إيرانية لداعش إيجابية، وهذا يكشف عن أن التنسيق بين البلدين أساسي وقائم عكس ما تصرح به الدوائر العسكرية الأمريكية بنفيها أي تعاون أو تنسيق في الحرب على داعش.. السلطة في العراق ورثت تركة هائلة، وقد ظلت زمن المالكي مجرد واجهة للاعبين اثنين هما إيرانوأمريكا لتأمين مصالحهما ضمن اتفاق بدأ مع (بريمر) ولن ينتهي مع أي حكومة أخرى، إلا إذا وجد العراقيون رفض ارتهان وطنهم لأي دولة أخرى، وهو في الوضع الراهن صعب ومعقد.. نهاية ما يقال عن جفاء أمريكي - إيراني صحيح، فكل الأمور تتجه إلى عقود جديدة قد تصل إلى حد التحالف، وقد تكون الأيام حبلى إذا ما ضغطت أمريكا على دول الخليج العربي لفرض مصالحات جديدة مع إيران تنتهي بما لا يخدم مصالحنا، وهي النتيجة التي علينا ألا نفاجأ بها إذا ما كان الأمر يتعدى حدود الصداقات إلى الإملاءات.. لمراسلة الكاتب: [email protected]