سكان إيران سبعون مليوناً، والعراق أربعة وثلاثون مليوناً، وكلا البلدين تعيش فيه قوميات وتنوع أثني وقبلي وطائفي، ولأن إيران منذ احتلال العراق من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأت تأخذ دور اللاعب بالشأن العراقي بدعم من الطائفة الشيعية، أو أكثريتها، مما تسبب بفصل العراق عن فضائه العربي، ومحاولة إحداث تغييرات جوهرية على أرضه.. أزمة سوريا وثورتها المشتعلة أدخلت العراق طرفاً مسانداً للنظام وهذه المرة بضغط إيراني، وبسبب الوقائع التي ازدادت على الأرض السورية، ذهبت إيران لما هو أبعد بإرسال وزير دفاعها أحمد وحيدي يحمل بمشروع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد اختلفت نظرة العراقيين، فالسلطة ترى أنه ايجابي للمساعدة في استرجاع أمن العراق ومكافحة الإرهاب، بينما الاتجاه الرافض يجد أنه ارتهان لإيران واختراق لأمن بلد له القدرة والإمكانات بالابتعاد عن الأحلاف والاتفاقات المشبوهة.. تشكل سوريا هاجساً استراتيجياً لإيران، وتقديراتها ترى أن سلطة الأسد منتهية، ومعنى ذلك ففقدان أهم حليف يسيطر على موقع مهم، ويجعل العراق البديل الموضوعي، لكن ماذا يعني توقيع مثل هذه الاتفاقية على أمن دول الخليج العربي الذي تدرك أن إيران لا تخفي مطامعها وتحديها للوجود العربي، وإضافة العراق لقوتها تعني جواراً مغلقاً، وخاصة في عهد الحكومة القائمة التي لبست ثوب الداعم لسوريا، وهي التي طالما عانت الأمرين من نظام الأسد دعمه البعثيين والقاعدة، لكن مع إيران أصبحت وحدة الطائفة بميزان الحاجز أو حائط الصد لما تعتبره المحيط السنّي الكبير الذي يطوق البلدين من كل الاتجاهات؟! أمريكا فرضت على العراق أن لا يكون قنطرة عبور للأسلحة والمتطوعين الايرانيين في دعم الأسد، وبادرت بعد التهديد الأمريكي تفتيش طائرة إيرانية عابرة أجواءها، لكن الأمريكيين لم يحتلوا ويحاربوا بالعراق ليخرجوا بلا مكاسب، وإذا كانوا في حالة نزاع مع إيران بمواصلة الحرب الاقتصادية والنفسية والالكترونية، فهل تقبل مثل هذه الاتفاقية وتجاور إيران في الداخل العراقي، وهي التي تسعى أن يكون لها وجود عسكري أكبر في المستقبل؟.. الشكل العام يوحي أن كلاً من العراق وإيران يناوران أمريكا ليس على سوريا فقط، وإنما على دور مؤكد في الخليج العربي، وبنفس الوقت الزعم بأن نهاية النظام السوري فالبديل حكم إسلامي سنّي متطرف قد يحدث تغييراً جوهرياً في كل الجوار السوري وهنا قد تدخل القاعدة وغيرها في عداء طويل مع أمريكا نفسها، ومثل هذه المخاوف تعرفها أمريكا ولها تقديراتها مع المتغير العربي كله، لكن ماذا ستكون نتائج هذه الاتفاقية على الداخل العراقي؟.. نحن نعرف أن الحالة الأمنية متردية، وأن الانقسامات لا يستطيع المالكي ترقيعها ببعض الرشاوى والتحالفات الداخلية، وعملية أن تكون إيران داخل النسيج العراقي يعني أن جسماً مرفوضاً سيقاومه العراقيون، وفي هذه الحال قد يتطور الانقسام إلى أزمة أمنية قد تؤدي إلى تقسيم العراق والجاهز لكل الاحتمالات السيئة من خلال حكومة تجاهر بالتقسيم..